عظة حدث ذات يوم
للقديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين
1 - حدث ذات يوم، عندما كنا نتكلم عن لاهوت مخلصنا، وأنه صار جسدا وحل بين البشر، في حين أنه ظل إلهاً وابن الله، أن بعض الجمع أجابوا بوداعة وبلا خبث، متعجبين لِما يسمعون، وقالوا: "هل كان كائنا قبل أن يولد من القديسة العذراء مريم؟"،
فأجبتهم بوضوح أن هذا الأمر يدعو للسخرية، فاليهود أيضاً لَمَّا سمعوا المخلص يقول: "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي"، لم يحتمل أولئك الجهلاء، إنما أجابوا بلا حياء، وقالوا: "ليس لك خمسون سنة". أما هو فأجابهم قائلا: "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن".
2 - ليتنا ننتبه لكلماته لنفهم ما نسأل عنه، لأنه يتكلم عن أبيه(إبراهيم) كإنسان، وحسب التدبير هو يخبرنا عن ألوهيته الكاملة أنه كائن قبل الكل، فهو قد قال: "مجدني، يا أبي، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم"، وكذلك: "به كان العالم"، وأيضا: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. به كان كل شيء، وبغيره لم يكن شيء مما كان"، وكذلك: "الذي كان من البدء قد ظهر لنا ورأيناه"، و"هذا كان عند الآب"، وأيضا: "خرج من عند الله، وسيذهب إلى الله"، وكذلك: "خرجت من عند الآب وأتيت إلى العالم"، وأيضا: "فيه خلق الكل"، وهو كائن قبل الكل"، وأيضا: "إن رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا"، وكذلك: "الصخرة تابعتهم وكانت الصخرة المسيح". حقا، من الزمان الذي كان إسرائيل فيه في البرية حتى زمان القديسة مريم، وأيضا: "السر المكتوم منذ الدهور""، وكذلك "لما أتى ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة "، فاسمعوا أيضا(قوله): "أرسله". من أين أرسله؟ أو من عند من خرج سوى من عند أبيه القدوس؟
3 - ولكن أن تقول "كيف تأنس في أحشاء العذراء القديسة؟
" من تكون أنت أيها المتطفل؟ أخبرني أولا كيف صرت أنت في بطن أمك.
هكذا ينبغي عليك أن تعرف قدرة الله ومسيحه. أم أن الذي أخذ ترابا من الأرض وخلق منه إنساناً على صورته ومثاله ليست له القدرة أن يبني لنفسه هيكله الخاص، جسده المقدس، كيفما يريد في بطن التي كرمها أكثر من كل النساء؟
أين يجد التراب يداً وقدماً، وطولاً وعرضاً ورأساً، وشعراً لامعاً وعيناً مملوءة بالنور وأذناً تسمع، وفماً ولساناً يتكلم وأنفاً يستنشق، وعظاماً وجسداً ومفاصل، وكل الأعضاء الباهرة؟
هكذا أيضا بالحري قد صنع ما يريد في أحشاء مريم، فهي أمه حسب التدبير، أما حسب اللاهوت المتعال فهي أمته. لأنه هكذا جن اليهود ومن شاكلهم، وفقدوا صوابهم، وقالوا مثل مختلي العقل: "أليس هذا هو ابن النجار؟ أليست أمه هي مريم؟"
4 - لقد قلنا وكتبنا الكثير عن ميلاد المخلص وعن لاهوته، لكننا قلنا أيضا تلك الكلمات القليلة من أجل الذين سألوا: "هل كان موجوداً قبل أن يولد من مريم؟" توجد شهادة أخرى أصدق وأعظم أن الرب المخلص كائن مع أبيه قبل الدهور.
من يقول لمن: "لنخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا"؟ أليس الآب هو الذي يتحدث مع ابنه، وحيده القدوس؟ أيضا الصديق الحقيقي للأنبياء وأخو الرسل قال في أسفاره، وكلامه هو الصدق، مخبرا إيانا أن الآب هو الذي يتحدث للابن قائلا: "لنخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا". لم يقل: "سأخلق أنا" حتى لا يجعل الابن غريبا عن عملية الخلق، ولم يقل: "أخلق أنت" حتى لا يجعل نفسه غريبا عن الأمر.
5 - فلو أدركنا أن الابن فاعل مع الآب في (خلق الإنسان فسوف نعرف أيضاً أنه فاعل معه من أجل (خلق) السماء والأرض، الشمس والقمر والنجوم والبحر، سماء السموات وكل ما فيها.
6 - أتريد أن نأتي لك بأدلة خارجية من أعمال الصناعات المتواضعة؟ اسمع (إذا)، لأننا كنا نقرأ كتابات أتت لأيدينا، مكتوبة على أشغال كتانية، لمن هذه الأيقونة من الرسل، ولمن هذه من الأنبياء، ولمن تلك من الصديقين، وقد وصلنا لتلك التي للمخلص والقديسة مريم مكتوب عليها "مريم والدة الإله"، فقلت للإخوة
الذين كانوا معي، عندما كنا نقرأها: "اسمعوا ماذا قال المزركشون والحائكون والمطرزون؟" قالوا: "مريم والدة الإله"، ولكن حسب الجسد، أما حسب لاهوته فهو الذي خلقها في الأحشاء، وهي فتاته، مثلها مثل كل من خلقهم.
7 – أما نسطور، هذا الذي أُعْطِيَ لقب أسقف، وكذلك آخرون على شاكلته، هذا الذي ورم لسانه وملأ فمه ومات في المنفى، قال إنها ولدت المسيح الإنسان، مثله مثل موسى وآخرين.
8 – تلك الكلمات أيضاً تغيظ المجدف الذي يقول: (كيف يكون جسد الرب ودمه خبزاً وخمراً؟ بعضٌ مِنَّا هم مَنْ قالوا هذا؛ لأن قلبهم قد أفسدته كلمات أوريجنس. أما أنا فأجيب على حمقهم هكذا: هل مَنْ صَير التراب إنساناً ليست له القدرة أن يُصَيَّر الخبز والخمر جسداً ودماً؟ وعندما يقول: (هذا هو جسدي، هذا هو دمي)، فمن تكون أنت إذاً؟ مَن مِمَن يقرؤون في الكتاب المقدس بتمعن لا يعرف أن الإنسان الذي خلقه الله كان موضوعاً وحيداً مُزَيَّناً في كل أعضائه، ولكن بلا حراك مطلقاً. ولكن لما نفخ الرب الإله ضابط الكل نسمةَ حياةٍ في وجهه، صار نفساً حية، وتحرك كلية، وتكلم، ومشى، ومد ساعديه للعمل، وبارك بلسانه مَن خلقه. هكذا أيضاً الخبز والخمر الموضوعان على مذبح الرب المقدس ومستقران عليه يسميان خبزاً وخمراً، ولكن عندما تُتلَى عليهما تلك الإفخارستيا المخوفة، ويرسل عليهما الربُ الإلهُ روحَه القدوس من السماء، لا يعودان منذ تلك اللحظة خبزاً أو خمراً، بل جسد الرب ودمه. وكل أعمال الله تصير بالإيمان، فإن كان عندك إيمان فعندك كمال السر، وإن لم يكن عندك إيمان فليس لك رجاء في السر ورب السر.
9 – لقد كتبنا أيضاً كلاماً كثيراً عن السر ولكن أيضاً نقول كلاماً آخر، أوله قوة وآخره دليل قاطع على الذين لا يؤمنون. أما نحن فنؤمن أنهما جسده ودمه، ولن نشك أنه الخبز الحقيقي الذي نزل من السماء. الخبز والماء هما حياة الأجسام البشرية، أما جسد الرب ودمه فهما الحياة الروحية لأن جسده مأكل حق ودمه مشرب حق لأنه قال: (أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ) الذين يؤمنون حسناً هم يأكلون طعاماً روحياً ويشربون شراباً روحياً جسد ودم الرب يسوع لأنه بركتنا الرب الإله، هو وأبيه.
10 – طوبى لمن ناموس الله في قلبهم، يضيف الرب لقلبهم معرفة أخرى تتبع ما للأسفار المقدسة وتتفق معها. طوباويون بالحقيقة هم الذين يتبعون الكتاب المقدس، فالذين يتبعونه يتبعون رب الكتاب. عجيبة ثم عجيبة هي كل أعماله: التي صنعها منذ بدء الخليقة، والتي سيصنعها في نهاية الدهر.