العظة من كتاب النصوص المسيحية في العصور الأولىالأنبا شنوده رئيس المتوحدين سيرته - عظاته - قوانينه للدكتور صموئيل القس قزمان معوض
مقدمة
ألقى الأنبـا شـنوده هـذه العظـة أثنـاء استضافة الـدير لعشرين ألفـا مـن اللاجئين الذين هـربـوا مـن مـنـازلهم بسبب هـجـوم البربر على مدنهم وقراهم، فلم يجدوا لهم ملجأ سـوى الأنبا شنوده. وقد قام الدير برعايتهم واستضافتهم لمدة ثلاثة أشهر حتى تمكنوا مـن العـودة إلى منازلهم سـالمين. وفي دراسـة شـائقة للبروفيسور Stephen Emmel عـن هـذه العظـة رجـح أن يكون الأنبا شنوده قـد ألقـى هـذه العظـة أثناء القداس في تذكار نياحة البابا أثناسيوس الرسولي
(في السابع من شهر بشنس، الموافق الخامس عشر من شهر مايو) حوالي عام 451م، حيث إن الأنبا شنوده قـد أشـار في عظـات القانون السابع أن هجوم البربر ولجوء الآلاف إلى ديـره قـد حـدث بعد عـام واحـد مـن بنـاء الكنيسة الكبيرة بالدير والـتي بنيـت حـوالى منتصف القرن الخامس.
وتحتوي هذه العظة على نص نَسَبَهُ الأنبا شنوده رئيس المتوحدين للبابا ليبريوس بابا روما (٣٥٢-٣٦٦) والذي يَنْعي فيـه نياحة القديس أثناسيوس الرسولي (٣٢٨-٣٧٣). وغـنـي عـن البيـان أن هـذا الـنص منحـول علـى البابا الرومـانـي الـذي تنيح قبـل أثناسيوس الرسـولي بحوالي سبع سنوات. ولكن هذا التأبين الذي لم يحمل اسما معيناً، بل ذُكِـَر فيـه أنـه مـرسـل مـن أسـقف روما،
هو في الغالـب مـن وضع خليفته البابا داماسوس الأول(٣66-٣84). ويبدو أن تأخر وصـول نبأ وفاة ليبريوس وتولي داماسوس سدة البابوية كان هو السبب وراء أن ينسب هـذا التأبين للبابا ليبريوس على سبيل الخطأ. ونستطيع أن نخمن أن الأنبا شنوده رئيس المتوحدين هو الذي قام بنفسه بترجمة هذا التأبين من اليونانية إلى القبطية، ليستشهد به في عظته. وقد قام Frederik Wisse بدراسة هذا النص المنسوب لبابا روما ونشر نصه القبطي مع ترجمة إنجليزية.
وعظة " مبارك هـو الله " هـي العظة العاشرة والأخيرة في المجموعة الرابعة من عظات الأنبا شنوده، كما أن العظة الأخيرة في مجموعة عظات القانون السابع ليست سوى جزء مـكـرر مـن عظة مبارك هو الله.
وصلتنا هذه العظة كاملة في مخطوطة واحدة هي XH والمحفوظة في المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، كما وصلتنا أجزاء منها في إحدى عشرة مخطوطـة أخـرى موزعة على العديد مـن مكتبـات ومتاحف العالم. وفي عام 1911م قام Chassinat بنشر النص القبطي الكامـل لهذه العظـة طبقا للمخطوطـة XH . وفي عام ١٩٨٩م قـام David Brakke بنشر ترجمة باللغة الإنجليزية لهذه العظة. ومؤخرا قام Hans - Joachim Cristea بنشر ترجمة لها باللغة الألمانية.
العظة
عظة عن أنه ينبغي أن نتمسك بما هو نافع وأن نبتعد عما لا يليق.
1 مبارك هـو الله. فكمـا جمعنـا اليـوم أيضا مع بعضنا البعض بالجسد، كذلك سوف يجمعنا أيضا بالقلب، حتى نتشارك حقا في. كمـال التقـوى التامة، قلبـا واحـدا، جسدا واحـدا، روحـا واحـدا، تعليما واحدا، إيمانا واحدا، ربا واحدا وإلها واحدا. لأن كثيرين هم الذين يجتمعون معا بالجسد لا بالقلب. توجد أفكار كثيرة في قلب الإنسان، ومشورة أسفار الله. هي الثابتة.
٢ لأنه يوجـد أنـاس كثيرون يتكلمون بالكلمـة رغبـة مـنهم أن يمجدهم سامعوهم كخطباء (مفوهين)، ولا يتحدثون بالكلمة حتى تخْلُص النفوس. وهكذا لا توجد منفعة في ذلك التعليم الفاسد. أ لا يوجد شخص جالس حيث يُتَحَدَّث هناك بكلمـة الله يفحـص مـاذا يقول المتكلم، ولا يجلس (فقط) ليسمع الكلمة ويعمل بها؟
إن من يستمع على هذا المنوال هـو أخ للمتكلم (الذي يعـظ) مـن أجـل مـجـد الناس. ويصير لذلك الإنسان ولذلك الآخر نفس عدم الإثمار. أما الآن فطوبى للذين يتكلمـون مـن أجـل المنفعة، وطوبى للذين يسمعون مـن أجل خلاصهم. إنني أتحـدث بهذا رغبـة مـني أن يصير تعبنا خلاصا للمتكلم والسامع.
3 إنني أعتقـد أنـه حـتـى لـو أرسـل علينـا جنـود فـلـن يستطيعوا أن يجمعونا هكذا من الأماكن التي أتى منها كل واحد (فينا). (أقول ذلك) حتى لا نكون مهملين لأن هذه النعمة ليست منا، لكن من يسوع الذي يدعونا. فكثيرة هي الأعمال التي يُجْمَع الناس بالعصا والسوط ليصنعوها،
أما حين يُدْعَون لعرس فبواسطة أصوات مُعَيِّدة ومسحة. أ لم نفهم بعد عن أي عرس نتكلم؟ مَن الذي يقوم بالدعوة سوى الملائكة المحبة للبشر؟ هكذا أنتم كلكم تهرعون لتجتمعوا باسم الله كما لو أنكم تهرعون نحو عيد، هو العيد الحقيقي لنفوسنا. لأنه لا يوجد عيد آخر سوى أن ننصت لكلمة التعليم الصحيح، ونَنْأى بأنفسنا عن الخطية، ونهرب من دينونة الله.
4 لأنه ليس هو أمر هين أن نمضي إليه بسلام. أ لم تأتوا لهذا الدير من أجله؟ أم أنني لست أعرف صلاح أكثركم؟ فأنا أقدر أن أشهد لتقواكم. أ لم نسكن نحن أيضاً فيه حتى نكون مستأهلين للرحمة؟ وأنا لا أعلم حقاً كيف أتينا ليَدَيه.
أ ليس يوجد أحد بينكم بيته بجانب الكنيسة؟ أم أني لا أعرف أنكم بسبب محبة المسيح تأتون لأناسنا المساكين؟ لذلك فإني أطلب إليكم كإخوة لكي تزدادوا في كل خير. لأن ذلك سيصير، والمخلص لا ينسى التراب والأوساخ على وجه وبدن الذين يُقبلون إليه من كل مكان في كافة المسكونة؛ لأنه يرى كل معاناتهم.
5 من الذي سيرحم؟ من الذي سيترأف على أولاد كرونوس هؤلاء الذينيسجدون لمثاله في صور؟ لأن تلك الأيام والساعات ونحـن مجتمعون باسم يسوع هي التي سوف تجعلنا مستحقين لمكان النياح في ملكوت السموات. كذلك أيضا الخبز الذي يعطى لمعـوز وكل مال، ولا سيما مـن سـيفعل المزيد، وكـل مـا سيصنعه كـل واحـد، لجاره مما يحتاجه. أما كل ما لم نصنعه لكي نجـده أمامنا فسوف نمضي ونتركـه كلـه.
لأننـا سـنرحل هـكـذا، ليس فقـط فـقـراء وعراة، بل أيضا واقعين تحت دينونة الله العادلة. فلا عجب إذاً أنكم تنامون على الأرض ، وتأكلون عندنا في فقـر . لأنني أشهد أن ربنـا يسوع ملكنا قد رقد هو أيضا على الجبـال مـرات عديدة، ونام مثل واحد من عبيده، رغم أنه هو الله، كما فعل في السفينة. كذلك الجموع التي كانت تتبعه على الجبال، وعند البحر، وفي الحقول، هـل كانت هناك أسِرَّة تتبعهم؟
نحـن نجلس إلى موائد، أمـا هـؤلاء فأكلوا الخبـزات التي باركها وشبعوا بها على العشب. فيا لهذا الغني الذي لدينا، في حين أن مخلصنا قد فعل كل هذه الأشياء. مع أنه يوجد واحد بيننا الآن ليس لديه طعام ليأكل في منزله، ولا رداء ليضعه عليه.
6 أ لست أعـرف إنـسانـا مـا قـال: " لن أستطيع أن أنـام في هـذا المكان بدون سرير " و " لن أستطيع أن أكل، ولن أستطيع أن أشرب ماء ما لم أجد ما اعتدت أن أكله وما اعتدت أن أشربه "؟ ولم يقولوا ذلك بسبب مرض أو ضعف، بـل بـسبب محبـة راحتهم. أنا لم أدن الذين يفعلون هذا وقت أن فعلوه،
فضعفاتنا تحاربنا كلنا، ولكني أفكـر مـن جهـة العـذابات الماثلة. مـاذا سنفعل في ذلك المكـان؟ اسـألـوا عـن ذلـك الغـنـي المـدعو نينيـوي(NINEUY) مـاذا حـل بـه في الجحيم . لم يجد حتى إصبعا مبللا بماء ليبرد لسانه في النار، ولا سريرا ولا طعاما شهيا.
7 ـ لأنه في الماضـي – يقـول الإنجيـل – رأى يسوع الـرحـوم الـذين يطلبونـه كـخـراف بـلا راع. أمـا الآن فـالراعي في وسـط قطيعـه وخرافه ليست وحدها. فإذا كان حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه فهو يكون معهم في وسطهم، فكم بالحري إذاً حيثما يجتمع جمع (كثير) يكون رب المجد يسوع في وسطه؛ فهو بالتأكيد يطلع علينا في كـل الأرض.
لأن كـل البـشـر الـذين لا يعرفـون يـسـوع هـم مـع الشياطين ورئيس الشياطين. أما نحن فساكنون مع يسوع وملائكته، ليس فقط في كنيسته وأماكنه (المقدسة) وكل مكان يُجْتَمَع فيه إليه، بل أيضا في بيوتنا ، نحن وأولادنا وآباؤنا وإخوتنا . فطوبانـا نحـن المسيحيين؛ لأنه جعلنا نعرفه ونعرف كل أعماله.
8 ولا يزال هناك أمـر واحـد ينقصنا، ألا وهو أن نخافه ونستحي من ملائكته، فلا نفعل تلك الشرور التي تحرك غضب الله أكثر ضد الأرض. إنني أتحدث عن كل واحد يقتل جاره وأخاه، إما معنويا بواسطة تلك الشرور الفاضحة، أو ماديا بالسيوف والحـراب. أي بربر (أولئك الذين) قاموا علـى تلـك الـقـرى التي قامت على أخـرى لتقتل بعضها بعضا في نواحينا؟
ولأننا نحن نعرفهم، فلتتركوا الأمة الوثنية الـتي بـلا إلـه تقـوم علـى أخـرى وثنيـة بـلا إله. فلا تتسببوا في أن يعثر آخرون بسببنا. إن من يفتعلون هذه الحروب – لأنه ربمـا تكـون هـذه هي الأيام الأخيرة – لا يعرفون إن كانت هذه هي (الأيام الأخيرة) أم لا. من الذي سيعرف ما لا تعرفه حتى الملائكة؟ ولكن آلام البشر هي التي تجذبهم مع ذاك الذي يهاجمهم، أي الشيطان. فويل لكل إنسان سيسحقه يسوع تحت أقدام (الشيطان)، وطوبى لكل إنسان سَيُسْحَق هو تحت أقدامه، كما هو مكتوب.
9 لأنه كما أنه بالتأكيـد مبـارك هـو الإنسان الذي يتكل على الرب، والرب سيصير له رجاء، فبالتأكيـد ملعون أيضا هـوا الإنسان الذي يتكل على خشب وحجارة أنها آلهة، ويقول عن الشمس والقمر والنجوم وكل المخلوقات الأخرى أنها رجاؤه.
10 لأنه مكتوب: " حلت علينـا وداعـة وسنتعلم ". وهكذا يأتي العلم للإنسان بواسطة الوداعة، وداعة المسيح وليست تلك الوداعة الساذجة الباطلة. لأن كثيرين متقدون ومتحمسون من الخارج، أما مـن الـداخل فمُحَطَّمون ومتوحشون، في حين كثيرون وهم يهمسون لنفوسهم من الداخل هم أعلى (صوتا) مـن كثيرين يصرخون علانية. هكذا تخطر الأفكار الدنسة علـى قلـب الـذين يقبلونها بدلا من الأفكار الطاهرة.
11 فما دام الأمـر ظـاهراً أن الله هو الذي جمعنا إليـه ـ لأنه لا يوجد في وسـط هـذا الأمـر ذهـب ولا فـضـة ولا نحاس ولا أطيـان ولا بيـوت ولا أي شيء أرضـي نتصارع عليـه، ولكننـا كلنـا هـنـا اليـوم نترجي مراحم الرب يسوع المسيح ليصنع رحمة مع مسكنتنا.
فإذا إن كـان هـنـاك آخـرون قـد أتـوا مـن أجـل شـيء كهذا فليكسبوا - بالأحرى الروحيـات عـوض الجسديات، ويرثـوا الـسمائيات عـوض الأرضيات، مثل إنسان وهو يبحث عن رصاص قد وجد فضة، وبينما هو يسعى وراء البرونز عثر على ذهب. فقط ألا يذهب أحد إلى بيته صفر اليدين، لم يحمل معه عطايا من تعاليم المكان الذي يُنَاَدى فيـه بكلمة الله.
۱۲ ليت الراقدين في الآثام ، والنائمين في ما لا يليق ، والكسالى في الأمور السمائية ، يدركون وينصتون للقائل : " إلى متى ترقد ، أيها الكسلان ؟ متى تنهض مـن نـوم تلك الشهوات الفاضحة ؟ تنام قليلاً وتجلس قليلاً . تنعس قليلاً، ويداك معقودتـان علـى صـدرك قليلاً وهذا يعني أنك ضيعت أيام عمرك دون أن تترك عنك الخطية، حتى تحل الساعة التي ستقول فيها: " هل الإثم بهذه المرارة؟ لم أكن أعلم".
13 أمـا القـائمون في الأعمال الصالحة ، المتيقظـون والمنتبهـون ، فليسمعوا هـذا ، كمـا هـم (دائمـا) يـسمعون. لأنهـم لـو كـانوا لم يسمعوا، لَمَا صار لهم هذا. إن الـرب بـالأخص هـو الـذي يقـول آمـراً: " انظروا. اسهروا وصلوا لأنكـم لا تعلمـون مـتـى يـأتـي رب البيـت أ مساء أم نصف الليل أم عند صياح الديك أم صباحا، لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياما. وما أقوله لكم أقوله للجميع: اسهروا ".
14 مـن في المساكن المقدسـة الـتي للسموات لـن يـقـول: " طـوبي للساهرين؟ " أما نحن، أيها النائمون غير المتيقظين، فالويل لنا، لأنه إذا حل النهار ووَلَّى الليل، سيعرف كل مَن يعمل مـا هـو ضـد الطبيعة أن العدو قد عَرَّاه وسرقه وسلب بيته، مثل واحد لم يعلم أن اللصوص قد حملوا ما في بيته بالليل حتى استيقظ نهارا. لو لم يكن قد كُتِبَ أيضا وأمِرَ: " فلا ننم إذاً كالباقين، بل لنسهر ونصحُ "، لما خجلنا أننا سَلَبْنَا بيتنا بأنفسنا لصالح العدو.
15 فإما ألا ندع أنفسنا للنـوم والسُكْر والبقاء في الظلمة، وإما ألا ندع أنفسنا تقرأ تلك الكلمات: " أما أنتم فلستم في ظلمة حتى يدرككم يوم الرب كلص في الليل، لأن جميعكم أبنـاء نـور وأبناء نهار. لستم من ليل ولا ظلمة. لأن الذين ينامون فبالليل ينامون، والذين يسكرون فبالليـل يـسـكرون ". مـاذا سينفعنا إن قلنـا باللسان أو سمعنـا بـالأذن: " أمـا نحـن فـمـن نـهـار "، في حين نـحـن سـكارى ومهوسون بأعمال الليل والظلمة؟
16 هل (يستطيع) من مات ودفن أن يصنع خطيـة؟ أقـول هـذا لأنه إن كنا قد متنا مع المسيح بالمعمودية "، ودفنا معه بالمعمودية لموته "، فأين وجدنا تلك الشرور لنتممها؟ أين الكلمة " لأن الذي مات قد تبرأ من الخطيـة "؟ كيـف نكـون قـد مـتنـا مـع المسيح بينمـا نـشترك في أعمـال الظلمـة الـتي ليست فقـط بـلا ثمـر، بـل تفسد أيضا (العمـل الصالح) الذي نصنعه؟
أريد أيضا أن أقول أنه إن كنـا قـد متنـا مع المسيح وقمنا أيضا مع المسيح، فماذا نصنع بقلبنا حتى إنه مدفون في الأعمال الشيطانية التي ضد الطبيعة، مثل جسد مدفون في الأرض وتحلل فيهـا وتـَدَوَّد، ومثل جثة في قبر؟ إن كنـا مذنبين تجاه كلمـة الله، فعبثاً نسمع: " مدفونين مع المسيح في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضا بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات. "
17 لماذا لا نعـرف أنـه كمـا أن هـذه هـي إرادة الله ألا تهلـك نفـس واحدة من أعمال يديه، فكذلك أيضا هـذه هـي إرادة الشيطان ألا تثبت نفس واحـدة أو تخلص. الأمـر واضـح لمَـن هـو متيقظ وسـاهـر ويـرى أن الشيطان قد سكر من طعامه المعد له في كل شر على الأرض كلها.
18 مـن أجـل ذلـك، قـد حـان الـوقـت ليـصير الأب والأم كبرابـرة تجاه أبنائهم وبناتهم، ولا سيما آباء هذه الحياة الراغبين في طهارة أولادهـم. كـذلك أيضا الأخ نحـو الأخ، والأخـت نحـو الأخـت. هـل سيصير الخلاص للكثيرين؟
لأن كثيرين هـم الـذين يموتون بسبب غواية اللذة الكاذبة وهذه السعادة الزائفة التي هـم فيها، كل على طريقته وحسب محبته الكاذبة، مُهْلِكُون لبعضهم البعض، ملعونون في سعادتهم وضحكهم ومحبتهم الآثمة وطمأنينتهم. لأنه يصير لهم حماقة وغبـاء بـدلاً مـن الـذكاء، ومعرفة مظلمـة بـدلاً مـن معـرفـة مضيئة، ومحبة خبيثة بدلاً من محبة طاهرة.
۱۹ ها هي العداوة الحقيقية لله . آباء وإخوة وأناس يقولون: " نحن للمسيح "، بينمـا هـم يحتملـون (يصبرون علـى) بعضهم البعض في شناعات ابن الهلاك. أي سلام أمام الله لبشر ليست أدناسهم مستترة عن بعضهم البعض، (ومـع ذلـك) لا يؤنـب أحـدهـم الآخـر؟ كيـف سيهربون من المكتوب: " لا فرحة للأشرار، قال الرب الإله "؟ أين لا توجد سعادة لهم؟ في الـدهر الآتـي أم في هـذا (الـدهر)؟ أيِّ شـريـر لـن يشعر بسعادة في هذا الدهر؟
٢٠ أن يحتمـل أب وأم أبناء وبناتاً أدنـاس هـو حـمـق وإثـم، مثل شخص يعيش مع مَن يُزنَى بها، لأنهم لو كانوا غير عالمين بسفاهتهم. لمـا كـان هـذا عـاراً عليهم. لـو إنـي مـا علمت أن آباء وأمهات واخوة راضون ومتفقـون مـع مـن يزني ببناتهم وأخواتهم لما تكلمت، لو أن الأمهات الفاضلات لا يهملن ملاحظة بناتهن في كل أمر يتعلق بالعفة: لأنهن يشتهين ويتحمسن أن يصيرن مثلهن في كل لياقة،
فأيضا المرأة التي لم يُزْنَ بها سابقا لن تقتنع او تُسَر بمن يزني أيضا بابنتها، لأنه هكذا قيل: " مثل الأم ابنتها " و " الابنة من أمها "، وقيل أيضا كذلك: " ابوها اموري". عن الآب الذي ليس فقط يصبر على من يزني أيضا بابنته، بل يحبه جدا ويشاركه الطعام والشراب، فهو " يأتي ويتجول في منزله كابن أو أخ، في حين كثيرون يسخرون منهم.
۲۱ لأنه في الوقت الذي يعتقدون فيه أن من يتكلم هكـذا هـو انسان عديم الرحمة ، لأنه يربي أبناءه وبناته وأخوته بكل جلدة (صرامة) ليهربوا من دينونة الله ، هو (في الواقع) رحيم جدا ، وفي اليوم الذي يقولون فيه أنه رحيم ، يكون قد صار عديم الرحمة : لأنه لم يجعل اجساد ودماء أبناء وبنات وإخوة غير مؤدَبين تلتصق بالعصا ، بل يكون قد جعل فرصة للعذابات التي هي أسوا من كل سوط ،
أنه من الحكمة جدا أن يُقال ( للأبناء ) : " ها هو الدنس والخطية ، وها هي نار جهنم والعذاب الأبدي . والآن، أي شـر يُقارن بالظلام والـدود المعد للذين يفعلونه؟ او أي دينونة لأب أو أم أو أخ يشهدون لأبناء وبنات واخوة عن العذابات وضيقات الغضب الآتي؟ فإن كان طوبي للذين سينجيهم يسوع منه، كما هو مكتوب، فويل للذين لن ينجوا منه.
٢٢ لأنـه قبـل هـذه الأزمنـة قـيـل للحيـات: " يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟ " أما الآن فيُقال: " مَـن الـذي لم يُعَلِّمكم أن تهربوا منه؟ " لو تَعَلَّم البشر من يسوع الذي خلقهـم وهـو يقـول: " سيكون ضـيـق عـظـيـم علـى الأرض وسـخـط علـى هـذا الشعب "، فهل سيكون لدينا شيئاً لنقولـه؟
لو قلـتُ: " وأيـن مَـن سيهرب من الغضب الآتي، كل واحد حسب شره، وكل واحدة، بما فيهن الأم التي تجهز ابنتها لمن يفسق معها أو يزني بها، لأن الأم أيضا دنسة وفاسدة؟ " فمن ناحية أخرى كثيرون هم الذين سيهربون منه، كل واحد حسب تقـواه، وكـل واحـدة مـن النساء، بما فيهن الأم التي تلاحظ ابنتها في كل أمر يتعلق بالعفة، لأنهـا هـي أيضا طاهرة وفاضلة جداً.
٢٣ إن لم يكن كثيرون هـم الذين سيهربون، كالذين شبَّههم الإنجيل بالحنطة التي ستُجْمَع إلى الملكوت بدلاً من المخزن، لَمَا كان خزي وهوان للذين لن يهربوا منه، كالذين شبَّههم بالتبن الذي سيُحْرَق بنار لا تطفأ. بَشَرٌ هم الذين سيسمعون هذا الصوت المفرح: " تعالوا، يـا مبـاركي أبـي، رثوا الملكـوت المعـد لـكـم منـذ إنشاء العالم " بسبب رحمتهم، وبَشَرٌ أيـضـا هـم أولئك الذين سيسمعون ذلـك الـصـوت الحـزيـن النـائح: " اذهبـوا عـنـِّي، يا ملاعين، إلى النـار الأبدية " بسبب عدم رحمتهم.
٢٤ لقد قلنا ما يكفي عن هذا المثل في غير موضع: " هو ذا ثلاث سنين آتـي أطلـب ثمـراً في هـذه التينـة ولم أجـد "، و " اتركهـا هـذه السنة أيضا ". ولكني سأقول إن عصر البطاركة هـو السنة الأولى، وعصر القضاة هـو السنة الثانية، وأيام الأنبيـاء هـي السنة الثالثة، وبشارة الأناجيـل عـن هـذا، التي هـي: " اتركهـا هـذه السنة أيضاً "، حتى نعلم أن الذين لن يتوبوا بعد تمام كل تعليم وكل معلم، المسيح يسوع، ليس لهم حياة. فالله لم يشفق على ابنه يسوع أن يبذله عن جيـل قـد مـات في شروره، مثله مثل كل الأجيـال الـتـي ماتـت؛ لأنهـا كانت مظلمة قبل أن يأتي ويبذل ذاتـه عنـا. فكـم تكـون دينونتنـا على رؤوسنا؟
مَن يكون هؤلاء الذين يقول عنهم: " سيأتي عليهم كلُّ دم زكي من هابيل حتى زكريا وكل القديسين الآخرين "؟ أ ليسوا هم أبناء هذا الجيل؟ أ لا يقول: " الحق أقول لكم إن هذا كله يأتي على هذا الجيل "؟ وأيضا: " لكي يُطْلَـب مـن هـذا الجيل دم جميع الأنبياء المُهْرَق منذ إنشاء العالم ". كيف إذاً لا يكون ويل للعالم من أجـل دمـه المقـدس "؟ الـسـر المُشار إليـه منـذ الـدهور في الناموس والأنبيـاء حتى العهـد الجديـد أنه سيظهر قـد صـار بالفعل في هـذا الجيل وتمَّ له.
٢٥ علـى أي جيـل آخـر تنطبـق الكلمـة " الله في الجيـل البـار " أكثر (مما تنطبق) علـى هـذا (الجيل)؟ وأغلبـه سيكون بعيدا عنه، وسيصير تحت دينونة الله أكثر من الأجيال التي كانت قبل أن يأتي يسوع، النور الحقيقي، إلى العالم. مـن يعـارض هـذه الكلمـات هـو أعمى في نفسه، ولا يرى شـر الـذين في العالم. أي وقـت آخـر كـان أكثر ملاءمة من الآن ليُقال فيه: " سيعرفونني كلهم مـن صـغيرهم إلى كبيرهم "؟
كثيرون هـم الـذين لم يعرفوه، ليس فقـط فتيـان وفتيات، بل رجال ونساء، وشيوخ وعجائز. لو أن كل البشر الذين ينطقون بسم الله دون أن يبتعدوا عن الظلم وكـل شـر سيحيون، لما قـال خـالق الكـل: " ليس كـل مـن يـقـول لـي: يا رب، يا رب سيدخل ملكوت السموات ".
٢٦ انظروا. ويل للعالم، لأننا لسنا فقط لا نفعل ما يرغبه (الله)، بل نحن بالحري كاملين فيما يمقته. هكذا كثيرون هم الذين سيقعون في (يوم) الغـضـب أكثـر مـن الـذين سيهربون. إن كـان الأمـر لـيس كذلك، فأين هو الجمع الذي يهرب منه أو من أمامه؟ هـل هـو الظالم ومـن يسـرق مـا لـيـس لـه؟
(هـل هـو) الذي يفسد القضاء، ليس فقط من أجل هدية، بل بسبب الرياء؟ (هـل هـو) المجـدف والكذاب؟ (هـل هـو) الـزانـي أو الزانيـة؟ (هـل هـم) المأبونون شـركاء الشياطين، أم مضاجعو الذكور، أم مدنسو هيكل الله؟ هل من رجل أو امرأة سيقدر أن يهرب من الغضب الآتـي مـا لـم يكـن قـد هـرب أولا مـن الخطيـة؟ مَن لم يتعلم الهروب من الخطية لم يتعلم الهروب من الغضب الآتي.
٢٧ وإلا هـل سـيحاربونه بقوتهم؟ أم سيشنون عليـه الحـرب؟ هـل سيهربون منـه أم سـيختبئون منـه؟ أم إن قـالوا للجبـال والآكـام: " أسقطي علينـا " سـوف تطيعهم، لأنهـم حتماً يقولونهـا حـسـب كلمـة الرب؟ ليس فقط لهذا (السبب)، بل من أجل الضيقة التي ستصير في ذلك اليوم،
كما هو مكتوب. كثيرون سيبحثون في ارتباك عن الهرب نحـو الغرب والشمال والجنوب والشرق، ونحـو فـوهـة الأرض، وحتـى نـحـو البـحـر، قائلين: " أُغْرِقْنَا "، ونحـو الأنهار، و (لـكـن) لـن يقبلـهـم شـيء مـن ذلـك، ولـن يـجـدوا طريقـاً للهرب، ولـن يـستطيع المضطربون أن يقبلوا إليهم المضطربين، والفارُّون لـن يستطيعوا أن يغيثوا الذين لا يعرفون إلى أين سيمضون.
٢٨ أي مكـان لـن يتزلـزل في ذلـك اليـوم؟ الجبـال والـصخور والهضاب، المشارق والمغارب، البحر، كافة المسكونة وكـل مـا فيها. لأن هذا هو يوم زوالهم، و (اليوم الذي) ستنفتح فيه أبواب سماء السموات لكل أبرار الأرض، ويجتازونها لأماكن راحتهم مغتبطين، (واليـوم الـذي) يضيق فيـه العالم على كل خطـاة الأرض بعـد دينونة الله العادلة.
وسيفتح الجحيم فمـه أو أبوابه وبواباته، ويوسِّع منازلـه ومخادعه وهواته ووِهـاده وأماكنه المظلمة العاصفة، والعذاب بكل أنواعه. وسيمضي إلى هناك كل جنس وثني وهرطوقي، وليس فقط كل أمة بلا إله، بل أيضا كل فاعلي الشر من الذين يقولون: " نحـن نعرف الله ".
٢٩ إن لم يكـن الأمـر كـذلك، لَمَـا قـال الـذي لا يريد أن يهلـك شيء من أعماله: " كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: أ ليس باسمك تنبأنا و (باسمك) أخرجنا شياطين و (باسمك) صنعنا قوات كثيرة ". وقال: " سأصرح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني، يا فاعلي الإثم "، فاعلي الظلم، فاعلي ما هو ضد الطبيعة في كل إثم. الويـل لي. لقد تعجبت من نفسي وأنا أقول هذا.
۳۰ يا للطوباويون الذين تَعَلَّموا فعل الصلاح ؛ لأن هؤلاء هم الذين تَعَلَّموا الهرب من الغضب الآتي . إن كانت بداية علامات (الغضب الآتي) قد أمسكت بالذين لا ينتمون إليه، وقد انتموا إليه بواسطة الضعف ـ أنـا أتكلـم عـن الملائكـة الـذيـن فـارقوا الحـق - فمـاذا سيفعل إذاً كل الذين ينتمون إليه، وإلى أين سيذهبون إذا حلت بهم نهايته وتمام بدئه؟ إني أتكلم عن كل أمة بشرية لم تعرف الله أنها ستعرف ختام غضبه الذي سيرثهم.
31 لأن الأشرار في كـل زمـن وحتى نهاية الدهـر سـوف ينحدرون جميعا إلى الهاوية نحو الأثمة. وكل الأتقياء منذ أن وُجِدَ الإنسان على الأرض وحتى النهاية سوف يمضون نحو بعضهم البعض إلى ملكوت الله. مـن ذا الـذي لا يريد أن يكـون تقيا، ويمضي للمسيح وأبيـه وملائكته وأنبيائه ورسله وكل أبراره، من هابيل وحتى الآن والـدهر الآتي، عن أن يكون أثِماً، يمضي لإبليس، نحو الجحيم وشياطينه وعبدة الأوثان وكل الذين ماتوا في تعديات كفرهم، الذي هو أسوأ من كل خطاياهم؟
٣٢ لأن روح الرحمة تشفع في الذين هـم عبيـد الله في كل زمـن، قائلة: " لا تُسَلِّم للوحوش نفسا تعترف لك ". لأية وحوش؟ هـل يـُقـال: " لا تسلمها للذئاب "؟ أم ليس يتضرع: لا تسلمها للشياطين؟ إذاً فالتي تعترف له لن تُسَلَّم لهم، ولن تُسَلَّم لعذابات الغضب (الآتي). أما التي لا تعترف له فحتما ستُسَلَّم لهم، وستُسَلَّم بالأحرى لنار جهنم بسبب أعمال شريرة مكروهة. فلا يُحْسَب الذين يقولون: " نحن نُعِدُّ أنفسنا للدخول إلى الملكوت " مع الذين سينحدرون للهوة التي يتحدث عنها الأنبياء.
33 أم أن هـذا القول، أيهـا الإنسان: " حُسِبْتَ مـع الـذيـن هـم في الجحيم " ينطبق عليـك؟ فـإن لم يكـن مـن أجـل الـذي يمـضـي مـع الذين سينحدرون إلى الجـب لمـا قـال القديسون: " يا رب إلهي، لا تتصامم مـن جهـتي لئلا تسكت عني فأشبه الهابطين في الجـب فلنـقـل نـحـن أيـضـا: " لقـد خـفـتُ وأزهـر جـسدي ". فمـاذا أزهـر؟ ليس إصبعا أو عـضـوا آخـر، بـل أزهـر ثـمـار الـبر: الإيمـان، والمحبـة، والرحمة، والبر، والحكم، والحق. هذه وأخرى غيرهـا تـزهـر في قلب الإنسان الذي يستقي مـن مخافة الله،
مثل أرض شـربـت مـن مـطـر غزير لتسعد برؤية بذارها أمام يسوع رب الأرض، كذلك ليت جسد الذي لا يخشى يسوع مثلمـا لا يزهـر ثمـاراً صالحة (فعلى الأقل) لا يزهر أيضا شرورا، وفسقا، ودنسا، ونجاسة، وظلما، وتجديفا، وزني، وعدم إيمان، وقساوة، وعدم تقـوى مـن كـل نـوع، (الأشياء) التي قد أُعِدَّتْ العذابات من كل نوع لمن يفعلها.
34 أ لم تُقْطَعْ رؤوس بشر كثيرين ومُزِّقُوا إربا إربا حتى يتركوا الله ولم يتركوه؟ هل سنستسلم الآن لنار جهنم بسبب الخطايا؟ من سيصنع الشر دون أن يكـون قـد تـرك الله أولاً؟ لو كنا غير محبين للخطية، فلماذا يصعب (علينـا) أن نترك عنـا الإثم؟ فـإن لم يُتْعِـْب الإنسان نفسه من أجل الصلاح، فلن يجده، ولن يكـون لـه.
أما إن أرَحْنَا أنفسنا من فعل الشر، فسوف يبتعد عنا، ويصبح غريبا منا. وبقـدر مـا نـكـون قـد تَعَلَّمْنَـا كيـف نهـرب مـن ذلـك الغـضـب الـذيسيظهر في السماء، هذا الذي أشـر مـن كـل ألم وعذاب قـد حـدث قط منذ أن صار الإنسان على الأرض، فالويـل لنـا؛ لأننا بدلاً من أن نهرب من الغضب الآتي، قد هربنا نحوه أكثر،
حتى إن المتعلمين قد هلكوا به أكثر من غير المتعلمين. إني أتكلم عن الذين ليس لديهم الكتـاب المقـدس؛ لأن الله أيـضـا لـيس معهـم. أ لا يختلـف الـذين بسببهم يكون الغضب (الآتي) عن الذين قد أُعِدَّ لهم الملكوت؟
35 والأمر بالنسبة لمن بسببهم سيأتي الغضب الآتي – لأنه ليس لهم المسيح حتى يجدوا ظله، الذي هو رحمته ـ هـو نفسه بالنسبة للذين سيتورطون فيـه مـمـن يقرأون، وكذلك ممن يسمعون (هـذه العظة)، ومن يُوَّجَهْ لهم هذا الكلام، ومَن كُتِبَ من أجلهم حتى يخلصوا، ولكنهم لا يخلصون.
أنـت تـدرس: " بظـل جناحيك أحتمي حـتـى تـعـبـر تعـدياتي "، بالرغم مـن أنهـا لم تعـبـر عنـك، ولكنـك تكذب، و (تدرس) أيضا: " بظـل جناحيـه يظللك "، و " سيكون تحت ظـل إلـه الـسماء "، و " تحـت أجنحتـه تحتمـي "، بالرغم مـن أنـك تكذب ولم تحتمِ.
36 إن كان الأمر كذلك، فانظر إلى جسدك وأبصر أي ظلمة حارقة صارت بواسطة وهج الأعمال التي هـي ضد الطبيعة. إن كان ذلك حقاً، فلماذا لم يبرد قلبك من نار الأعمال المخزية التي ذِكْرها أمر مخجـل؟ فـإن كـان الـذين يجلسون في ظل الأشجار والجبـال العالية والأسـوار الضخمة يترطبـون مـن الحـر، كذلك أيضا إذا سكبوا على أنفسهم الماء البارد، فكيف لن يشعر الذين هم في ظل الله ببرودة أكثر من تلك الأعمال البشعة، ولا سيما وهـم يعكفـون على الطِلْبة من العلي ويسرعون لفعل الخير؟
۳۷ فما المقصود بظـل إلـه السماء وأجنحته ؟ لأننـا نـرى ظـل كـل شيء كبير ، وكذلك ظلنـا نحـن . فهل لله ضابط الكل أجنحة؟ أم أنه اجتاز بنا فرأينا ظله؟ فبماذا أشبه أجنحته أو بماذا أقارنهم سـوى بالعهـد القـديم والعهـد الجديد؟
كـل إنـسـان يـريـد أن تشعر نفسه البائسة ببرودة سوف ينتبه لما تقوله الأسفار (المقدسة)، وما كتبه الأنبياء والرسل وكل القديسين الآخرين، وسوف نشعر بالراحة في كلماتهم المضيئة وتعاليمهم المُخِلِّصَة. لن يهرب أحد من الغضب الآتي ما لم يكـن قـد هـرب أولاً من الزنى والفسق والظلم وكل نجاسة، التي أمر الكتاب ألا تُفْعَل.
38 أ لا يتساوى خـزي مَـن عثر لأنه لا يمسك بمصباح لينظر في الظلام ما عند قدميه مع (خزي) مَن عثر بالرغم من أن بيديه مصباح وينظر العثرة عنـد رجليه؟ هـذا مـا يقوله الـذين فعلوا السيئات؛ لأن ليس لهم الناموس ورب الناموس، يسوع، والذين بيننـا مـمـن يقولون: " شريعتك في وسط أحشائي "، ونحن كاذبون. فلو كان ناموس الله (حقا) في أحشائنا، فلماذا نعثر ونسقط في تلك الأدناس الصعبة على يسوع؟ إن الأسفار المقدسة لن تنفعنا أبدا ولن ننتفع بها ونحن في وحل الحمأة تلك، منغمسين ومُلَطَّخِين وغارقين.
39 أ لا يوجـد مَـن يـقـرأ أو يسمع: " الـرب راعـيَّ فـلا يـعـوزنـي شيء "، بينما يعوزنا كل شيء؟ أو ربما نعتقد أنه يقول إنه لـن يعـوزهبينما يعوزنـا كـل شـيء؟ أو ربما نعتقـد أنـه يقـول أنـه لـن يعـوزه ذهـب وفضة وأمـوال وكـل متاع؟ ولم نـدر أنـه يقـصـد أنـه لـن يـعـوزه الخير الأعظم: نقاوة جسده، وكذلك التقوى في كل عمل، لكي نعلم أن الأمر كذلك، ألا نـرى كَـم مـن البشر الأبالسة يزدادون في خيرات الأرض؟ فهل الله هو الذي يرعاهم؟
40 من منا لا يعرف ذلك الرجل العدائي في بانوبوليس وخيراته، الـذي بـدد يسوعُ غنـاه أمامه وأزالـه هـو أمـام (غنـاه)؟ أنا أتكلم عن الذي لا يستحق أن يُذْكَرَ اسمـه هنـا. إنـي أتعجـب حقـاً مـن الآخرين الذين يشاركونه تعدياته. وقـد حـل بـهـم غـضبٌ،
فهذا (الرجل) لـن يُجْعَل لذكراه سماعاً، والآخرون يُذْبَحُون وتُهَشَّم عظامهم ويُحْرَقُون أحيـاء بسبب كلماتهم المتجبرة التي قالوهـا ضـده، مثل سيدهم الذي لم يكتف أن يتكلم ردِيَّاً على خدام المسيح، ولكن أيضا على يسوع رب الخدام الذي وقع هو في يديه، هو وغيره مـن هـؤلاء الخـدام الأشرار، والآخـرون الـذيـن هـم علـى شـاكلته ولا يختلفـون عـنـه مـن الذين هم الآن على قيد الحياة. وإن لم يتوبوا سيكون لهم مصيره أو مصير أولئك.
41لـو كـان الأمر يقتـصـر علـى زمـن وحيـد، لله فيـه مـن يحـبهم ومن يكرههم، لَمَا كُتِبَ عن الذين سيؤمنون والذين سيكفرون في كل زمن: " عند موت الصديق يتحسرون عليه، وعنـد هـلاك الشرير يتبرؤن منه ويبتهجون ". وعند موت إنسان صالح لا يهلك رجاؤه، أما " افتخار الأشرار ورجاؤهم أيضاً فيهلكان ". وكذلك أيضا: " كريم أمـام الـرب مـوت الأتقياء "، " أمـا مـوت الخطاة فشر ".
ليس أكرم مـن مـوت إنسان يفـارق الجسد، ويمضي للرب، ويكـون مـع الـرب دائما، كما هو مكتوب؛ لأنه كان أيضا مع الرب، والـرب كـان معه في الجسد أثناء حياته، وليس أسـوأ مـن مـوت إنـسـان إذا فـارق الجسد يمـضـى للشيطان، ويصير مـع الشيطان في النار المعدة لـه كمـا هـو مـكتـوب؛ لأنهـم كـانوا أيـضـا مـع الـشيطان، والشيطان كان معهم أثناء حياتهم.
٤٢ من هم الذين يخافون يسوع؟ ليتهم يتذكرون الغضب الذي حل على الخدم الأشرار لذلك المخالف الجاحد والكاذب، من الذي يكره ظلمهم وتخنثهم المعروف، هم وسيدهم عبد الشياطين في كل دنس، الخاطئ بطبعـه والمتحمس، كما هو مكتـوب: " الشرير الحقيقي الذي يتبرأ منه ".
43 مـن سـيحزن علـى إنسان مخـالف، قـاس، لـص، نجس، مخادع، وثني؟ لم يقبل إليه لا يسوع الإله، ولا (أي) إنسان. وإن قبل إليـه إنسانا، كـان يقبـل إليـه الـوثنيين، ولا سيما أعـداء الله في أدناسهم، التي هي أسوأ من أدناسه، وأدناسه أشـر مـن أدناسهم في كـل عثـرة. كـل بيـوتـه الكثيرة، مخازنـه ومراكبـه، حدائقـه وحقوله، حماماته وأحواضـه المملوءة بالماء على النهـر أو ضـفافه، خلف أبواب منازلـه وأسطحه، والأشياء العديدة الأخـرى بمـا فيهـا أغطيته وصحافه، كانت كلها أدوات لعنـة الغضب الـذي حـل بـه وقـد حـل بـه؛ لأنـه كـان أمـرا ضـروريا،
وسـوف يـحـل مـجـددا؛ لأن الانتقام من المجـدفين على المسيح وفاعلي الشر لا يستكفي ولاحدَّ له. فالجسد الذي جعلته عضواً مخنثا في كل نجاسة، وصنعت به (شرورا) أخرى لا بد له حتما أن يصير عضواً للنار والـدود ويتوحد مع الهلاك، وكذلك النفس هي الأخرى معه، كما هو مكتوب.
44 إن كنَّا لا نعلم مَن الذي لا يُحْزَن عليـه عنـد موته أو مـن الـذي ُحْزَن عليـه، فمَـن الـذي سيحزن مطلقـاً علـى ذلـك الغـنـي الـذي قـال: " سأهدم مخازني وأبني أعظم، وأجمع هناك جميع غلَّاتي وخيراتي " أ ليس مكتوبـا أنـه كـان ظالماً ومنبوذاً مـن مـراحم الله؛ لأنه ليس رحيما ولا يعطي لمحتاج؟ هكذا أيضاً كل مَن يجمع ذهباً على ذهب، وفضة على فضة، وغلالاً على غلال، والأرضيات على الجسديات، " صائرين بلا رحمة، ومحبين للمال أكثر من محبتنا لإخوتنا.
45 انظروا إلى طابيثا كم بكى عليها الأرامل وكل الآخرين، كيـف اجتمعـوا حـول الـرسـول العظيم بطـرس وأخبروه عـن الثيـاب والعباءات التي صنعتها لهم لما كانت معهم. والآن قارنوا بين الـذي قيل له بسبب قساوته: " الليلة تُطلَب نفسك منك " بالتي ماتت وأقيمت بسبب إحساناتها .
46 كذلك أيضا أيوب الصديق، فبعد كل هذه الآلام أبرأه الرب من هذه الضربة بسبب رحمته؛ لأن بابـه كـان مفتوحاً للجميع. كان عينـاً للعميـان، ورجـلا للمقعدين، وأبـاً للـضعفاء. كـذلك أيـضاً البطريرك (أب الآباء) إبراهيم الذي نال تلك البركات العظمى من الله بسبب محبته للغرباء. وأيضا لوط قد نجا من دمار أهل سدوم وعمورة بسبب محبتـه للنـاس. وهكـذا كـان الـحـال أيـضـا مـع الصالحين والأشرار، منذ هابيل وقايين حتى الآن وإلى انقضاء الدهر.
47 هل قال الرب فقط عن صاحب الخيرات الكثيرة أنه غبي؟ أ ليس هـو مثلا يعلمنا ألا نكون أغبياء؟ إن كـان غبيا ذلـك الـذي يملك هذه الخيرات ولا يتصدق بها، إذا فمَن يكنـز مـا لا يملك هـو حقاً أكثر غباءً. وإن كان من يملكها يقدر أن يعطيها لك، أما أنت فلا تقدر أن تعطيها، رغم أنها ليست ملكك، من أجل خلاص نفس من يملكها، فما هي حكمتك في (هذا)، أيها الإنسان؟
حقاً، ما أعظـم تلك الخطية، ومن الصعب على يسوع أن يغفر لمن يقترفهـا؛ لأنهم تجاسروا أن يظلموا نفساً سوف تمضي إلى الله الذي سيدينهم معها. لأنهم سلبوا منها ما بذلته عن شقائها أو أخذوه منها. حقاً، إن تلك السرقة أشر من كل سرقة على الأرض، وذلك الشر أعظم من كل شر تحت السماء.
48 هل سيقدر قلبنا إذاً أن يقبل إليه محبة الجار إن لم نكـن قـد أفرغناه أولاً من محبة المال، وغسلناه مـن كل وزره، وأزلنـا مـن قلبنا ونفسنا كل قشور تلك المحبة الفاسدة؟ لأنه هكذا مكتوب: " أشبع نفسا جائعة "، جائعة لفعل الرحمة والعطاء،
جائعـة لكـل مـا هـو سمائي. النفس الخاوية هـي خاويـة مـن محبة المال وكل الأرضيات. لقد ملأها بالخيرات، خيرات السماء. ويقـول أيضاً: " أعطى خائفيـه طعاما "، طعاما روحيا وليس فقط طعاما جسديا. لأن كثيرين من الأشرار يتزايدون في ذلك، في حين يعـوزهـم كـل شـيء، يسوع، ويتكلمون أيضا عن النفس التي تترجى الله بلا خجل في هذا الزمن. يقال: " طرق بيتها ضيقة، وستفرح في الأيام الأخيرة ".
49 أيهـا الناس، نتعلم (مـن هـذا) أن تُـرْغِم أنفسنا علـى فـعـل الرحمة، ونبذل ما نملك بدلاً من أن نحـب المال، وأن نحكم بالعدل إن استطعنا، بدلاً من أن نكون منافقين، وأن نعين المظلوم إن كان لنـا السلطان بـدلا مـن أن نحـدق في الفقير، وأن نكـون أتقيـاء بإفراط، كما لو أن الوقت قد حان، حتى نمتلئ من تعزية أماكن النياح التي في السموات.
50 إن كان من الممكن لكل واحد أن يتراضى مع خصمه، إنـسـان مـع إنسان، أ ليـسـت لنـا القـدرة أن نتراضـى مـع كلمـة الله والتعليم والوصية التي تشتكي علينا؟ أ ليست ذنوبنا ليسوع كثيرة لا يمكن لأحد حصرها؟ لأن الخصوم يتصارعون حتى يتراضـون.
أما نـحـن فبعـد الخطايـا الـتي ارتكبناهـا يُطْلَـب مـنـا أن " تـصـالحـوا مـع الله ". ولكن إذا لم نتصالح بعد غفران بهذا المقدار، فماذا نقول؟ أم ماذا سنفعل في الضيقة التي ستحل بنا؟ أم ماذا سيؤول إلينا هناك حتى نعطيه كله، حتى الفلس الأخير، فنوفيه ونهرب؟
علاوة على ذلك فقد قيل عن الذي ألْقِيَ في السجن، لأنه لم يتراض مـع جـاره، أنه، سيبرح ذلك المكان إذا لم يترك شيئا آخر لم يوفيه، حتى الفلس الأخير. إذا قارنت طِلبَـة وتوسـل الـذين سيمضون للعـذاب بـالفلس الأخير، هل بعد البكاء والنحيب المر سيجدون رحمة؟
51 فـنـحـن نـرى أيـضـا ذلـك الغـنـي المـدعو نينيـوي(NINEUY) ، لم يُتَراءف عليه وهو يصيح ويصرخ في الشدة التي كان فيها ويتوسل قائلا : " ارحمني " . لم يرَ رحمة، ولم تحل به راحة. أ لم نتعلم هكذا أن نترك عنا شكنا بواسطة تلك الكلمة أيضا: " لأن الحكم هو بلا رحمة لمن لم يعمل رحمـة "؟ حتـى لـو كـان (الـذي لم يعمـل رحمـة) قـد مـزق قلبـه هناك، فمـن سـوف يـسمعه؟
فهـو لم يطـع يسوع حـتـى يـسمعه يسوع. أ ليـسـت هـذه هـي كلمـات الـرب: " ارحموا تُرْحَموا، أعطوا تُعْطَوا " "؟ حتى يأخذ الذين يعطون البركة، إذا أتى (الرب) أو إذا مضوا هـم إليه. والذين لا يعطون سيأخذون اللعنة، كما تشهد لنا الأناجيل.
٥٢ من لن يحزن على البار؟ وكيف سيحزنون (عليه)؟ سيبكون عليه هكذا قائلين: " رحل قاضينا، وتركنا المحسن إلينا، وحامل همومنا في كل شيء وكل احتياج. فارقنا الرجل الرؤوف، الرحوم، محـب الفـقـراء، المحـب لنفـسنا كمحبتـه لنفـسه، (الراغـب) في خلاصنا في المسيح مثل (رغبته في خلاص) نفسه، الذي لم يكـن خافياً عن أي أحد في حديثه وكـل مـا لـه ". لأن شخصا مثل هـذا هـو أيضا رجـل الله، رجـل بـار بالحقيقة، أثناسيوس رئيس الأساقفة،
كما كتب عنـه محـب البشر ليبريوس أسقف رومـا. ولـو لم يصنع ذلك (هذه الأعمال الصالحة)، لَمَا بكى ( ليبريوس ) هكذا على الذي مات متزايداً في عملها . يخجلني أن أقول إنني لم أصنعها، ولكني أعلم أنها رغبتنا أن نسمعها. سوف أقرأهـا مـن بـدايتها لنهايتها؛ لأنه نـافـع جـداً أن نتـذكـر الـذي كَتَبَ، ولكـن الأكثـر نفـعـاً هـو أن نتذكر من كُتِبَ عنه.
53 عظة ليبريوس ، أسقف روما ، التي وضعها على أثناسيوس بابا الإسكندرية ، لما سمع بوفاته : " أيـن الـراعـي الصالح الذي للشعب المقدس ؟ أيـن قـائـد القطيـع المكـرم؟ إلى أيـن سـيـمـضي؟ أو إلى أي مكان سيذهب؟ فارقنا الذي لم يعتد أن يفارق قطيع خرافه ساعة واحـدة. كيـف تـَرَمَّـَل الكرسي الكلـي المجـد والإجلال إلى جلوسه المرضي لله؟
54 الإكليروس مغـتم لأجلـه، والشعب متوجـع القلـب بـسببه، والكنيسة حزينـة. أمـا أنـا فـإنـي أخـال أيـضـاً أنـني أسمـع الـبعض يتنهدون، وأرى آخرين يبكون. الويـل لـي لِمَا أرى. فلو قالوا الحق، أعني الذين يتفوهون بكلمات مُرَّة، فاقت كل مرارة، إن أثناسيوس حبيب المسيح قد رقد، فربما هذا هو الغم (بعينه) أن أسمع ذلك. فأنا لا أصدق حتى الآن.
55 لأنـه حـتـى لـو صـار في وسطنا احتفـال مهيب، فلـن يـكـون بمقدوره أن يُنْسِي المفجوعين وجع القلب. بل إنـي أعتقد أن الفاجعة ستصيبهم كـل يـوم مجدداً. لأن الشيوخ سينوحون عليه؛ لأنـه كـان العكـاز الـذي يستندون عليـه، فرحـل عـنهم. سيفتش عنـه الأطفـال كمـا عـن أبيهم، والشباب كمـا عـن أخ، والمسنون كمـا عـن ابـن. سيفتش عنه الأيتام كما عن وصي.
(ستفتش عنه) الأرامل لأنه كان المهتم بهـن (حـامـل هـمـهـن)، والفقـراء لأنـه كـان المحسن (إليهم)، والضعفاء لأنـه كـان عـونهم، والمتألمون لأنـه كـان المتحدث عنهم، والمظلومـون لأنه كان قاضيهم، والذين استُعْبِدُوا ظلماً لأنه كان محررهم. سيجوع إليه محبـو العلم؛ لأنه كان معلمهم، والمستقيمو الإيمان؛ لأنه كان يعلمهم عن الله بكلماته.
56 مَـن سـيقدر أن يبني النفـوس البشرية هـكـذا؟ مـَن سـيـزود الكنائس مـِن الآن بمـا تحتاجـه؟ مَـن سـيـزين الأبواب المقدسة مثل ذاك؟ أو مَـن يـكـون في مقدرتـه؟ مـَن سـيقدر أن يتجـول مثلـه لـيـلاً ونهاراً، سائراً على قدميه، مدفوعاً بغيرته، مسرعاً ليقـدم الـعـون لكل واحـد حـسب احتياجـه؟
لـن نـجـد آخـر مثلـه على الأرض، يلقـي المال جانباً، مثـل ذاك، ويختار لنفسه الفقـر بإرادته، ويحـب الله، ويزدري بمجـد الحيـاة. مَـن سـيقدر أن يصنع لنفسه حُريـة كهـذا، ويقدر أن يحارب عـن البر، ويلاقي السلاطين، ويتكلم بدالة أمام الهياج الباطـل للـولاة؟ كـان يقنعهم بحديثه، ويخجلهم بأسلوبه، ويسكتهم (بأسلوب) حياته، ويجعلهم يتعجبـون مـن دالته، ويملك زمامهم بهيبته. مَن أحبته الشعوب هكذا أكثر منه؟ أية كنيسة كدَّت فتكون جديرة بالحب كما (فعل) ذاك؟
57 لقـد رحـل عنـا، يا إخوتي. قـد فارقنـا رجـلٌ يشبه الله، فخر وصلاح كل إنسان، شبيه الرسل، الغيور على البطاركة، الخادم الحقيقي المؤتَمَن الـذي للمسيح، شبيه الملائكة، الذي أظهـر رعوية السماء على الأرض، سابقاً بتعيين الروح، والآن أيضا برقاد جسده.
58 مسكين هـو قـطيـع الـخـراف الـذي تيـتـم لـراع صالح محـب للخـراف. فبعض خرافـه سـتـصير الآن في شكل لا يريـده هـو لهـا والبعض منها سيصيبه المرض، وآخرون سيضلون، أما البعض الآخر فسيسقط في منحدرات، وآخرون سيصبحون فريسة للوحوش.
59 يا مَن كنتم قبلا محسودين، قد صرتم الآن أكثر مسكنة مِن كل أحد. يا لها مِن نِعَم كنتم تتمتعون بها! أما الآن فيا لها مِن أشياء قد حُرِمْتُم منها! أي نوع مِن الحسد قد نهبنا جميعا؟ مـَن الـذي هدم غيرتنا الحسنة؟ مَن الذي استأصل لسان المدينة؟ مَـن الـذي سلب الكنيسة صوتها؟ مَن الذي طمر بئر الماء للأبد، ذلك الينبوع الـذي يفيض عسلاً؟ مَن الذي سدَّ الفم الأكثر تناغما من المزمار والقيثارة؟ ترنيمته عن الله باقية، مملوءة حكمة.
60 أيـن هـي الكلمـات الأغـزر مـن قـطـرات المطـر فـلا تـزال كلمات ذلك الصوت الحلـو تطـن في آذاننا، في حين أنني أحـدق في مجلـس تلـك اللؤلؤة. إنـي أرى تلك الصورة جديرة بالحب. إن قلبي ليتعجـب مـن الكلمات التي تصير بواسطة أنفـاس الله (بـوحـي مـن الله)، تلك التي يقولهـا. أما الآن فقـد أُخِـَذ تـاج المدينة. الآن تنـوح الكنائس التي ترأسها، وتشتاق إليه. الآن ترعى نيران أثمـة وسـط الأعياد المقدسة، النيران التي سبق الطوباوي وأطفأها. أما النيران الحادثة الآن فسوف يخمدها أيضا خالق الكل.
61 يـا صـلوات المدينة، واجتهادات العقلاء الأتقياء، وصفوف المرتلين، والتسابيح الشجية في الكنيسة، أيـن هـو مُنَظِّم المُسَبِّحِين، وآمِر المرنمين؟ أيـن هـو مـدبر الترتيل المقدس؟ بهيَّاً في ردائه وأكثر بهاء في مُحَيَّاه، مشعَّاً في نقاوة نفسه وسط الجمع الغفير الذي يفهم أقوالـه؛ لأنـه كـالنور البهـي في الليـل. الشبان والعـذارى، الشيوخ والأطفال، هؤلاء الذين يلهجون من قبل في ألحانه الروحية، قد رددوا الآن ألحانه على سبيل التجنيز.
٦٢ لكـن فـلنـسبح الله، حبيبنا، ولا نغضب منـه، بـل لنـحـزن ونبكي هكذا على الحي كما لو أنه ميت، لأن البار لم يمت، بل رقد، وهو ينتظر ساعة القيامة. إذا ما مات أناس أشرار في حياتهم، وَجَبَ أن ننوح عليهم؛ لأنهم ذاهبون للدينونة. أما إذا مات الصالحون، فـحـري بنـا أن نبـاركهم (نمـدحهم)؛ لأن كمال (سعيهم) قـد حـدث بإكرام، كما هو مكتوب: " كريم عند الرب موت قديسيه ".
63 لذلك، أيها الإخوة، وقد وصلنا لهذا الموضع (مـن الحـديث)، فلنعـز أنفسنا بتعزيته، لأن ذكـرى الصِّدِّيق مشهورة وحسنة. وبقاء ذاك كان من أجلكم، أما انحلاله، ليكون مع المسيح، فأفضل له. فدعونا لا نحـزن علـى مَـن كـرَّمـه الله، فنفسد تعزيتنا، بل لنتذكر، يا أحبائي، بالحري ذلك اليوم الذي سنقوم فيه. وإن كنا مستحقين فسوف نراه (أثناسيوس) في صفوف الملائكة،
واقفا مع المسيح يخدمه روحيا مع رسله؛ إذ إنه أيضا حتى الآن لم يتوقف عن خدمته أبداً، متشفعا فينا. لأنه سوف يتكلم مع الله عن قرب، ليس في مرآة ومثال كمـا كـان وهـو علـى الأرض، بل الآن وجها لوجه. وكرامته لم تعد من البشر، بل من الله (ذاته) ".
64 والآن، يتعجب الجميـع مـن البطريرك القديس على نعمته، أن الله أقام من حجارة نسلاً وفيراً لإبراهيم. والآن، داود، الذي قبله الله إليه، يسبح بالمزامير، وسيكتب تسبحته مع تسابيح ذاك (أثناسيوس).
65 لقـد أردت أن أستفيض في الحديث عنـه، كمـا يـستحق، ولكن لكي لا نتأخر بسبب تلك الأمور، ونهملتفسير مـا فـُرِئ علينا، سوف ننتقل الآن إلى الحديث عن الأسفار المقدسة.