من كتاب النصوص المسيحية في العصور الأولى الأنب شنوده رئيس المتوحدين سيرته عظاته قوانينه الجزء الأول
مقدمة
لهذه العظة مذاق خاص بين عظات الأنبا شنوده، فالعظة كلها هي حديث موجه من الأنبا شنوده إلى الشيطان، هنا يَظْهَر لنا رئيسُ المتوحدين كراهـب متمرس في الحروب مع الشيطان، وناسك على دراية واسعة بحيـل إبليس وكيفية التغلب عليهـا.
في البداية يعـدد الطـرق الـتـي يُجَـِّرب بهـا الشيطانُ الإنسانَ، خاصـة ظهـوره لـه في أشكال مرعبة، أو أن يتمثل له في صورة كائنات بشرية أو حيوانية ليخدعـه ويسقطه في حبائله.
في هـذه العظـة يتحـدى الأنبـا شـنوده الشيطان في جُرأة وثقة، ويؤكد له أن سلطانه قد زال بفـداء المسيح للإنسان، وأن الإنسان هو في الغالـب مَـن يسمح للشيطان بخداعه، ويترك له الفرصة ليتصيده؛ لأن الشيطان ليس له سلطان على أبناء الله الحقيقيين.
كذلك ينتقد الأنبا شنوده رغبة البعض في أن يظهر لهـم مـلاك أو قـديـس لـيكلمهم أو يتنبأ لهـم بـشيء؛ لأن مثـل هـذه الرغبات تتيح للشيطان منفـذا لـخـداع هـؤلاء.
كذلك يذكر الأنبا شنوده أن بعض الأمراض التي تصيب الإنسان هـي في الحقيقـة مـن فعل الشيطان، حتى يجعله يتذمر على الله ويفقد إيمانه، ولكـن مَـن يحتمل المرض، مثل أيوب ولعازر، فجزاؤه ملكوت السموات.
وصـلتنا هـذه العظـة كاملـة في المخطوطـة XH الـتـي نـشرها Chassinat عام 1911م ، كما وصلتنا شذرات منها في مخطوطتين أخريين .
وفي عامي ١٩٦٢ / ١٩٦١ م قـام Du Bourguet بنشر النص القبطي مرة أخرى مع ترجمة فرنسية. وفي عام 1968م نشر الأستاذ يوسف حبيـب ترجمة عربية لهذه العظة تشوبها عدم الدقة في غير موضع، وكثيراً ما تفتقر للتتطابق مع الأصل القبطي.
كذلك وردت ترجمة لهذه العظة في كتاب " فردوس الآباء " الذي أصدره أباء ديـر القديس أنبا مقار، وبمراجعة تلك الترجمـة وجـدنا أنهـا هـي نفـسها ترجمة الأستاذ يوسف حبيب بتصرف.
العظة
1 - أيضا بسببك، يا رئيس الشر، قـد حـدثـت كـلُّ الأضاليل الشريرة؛ لأنه لولا أنك مسبقاً قد عينت كلَّ شر مقابل كل صلاح، مُفَعِّلاً في البشر الكراهية مقابل المحبة، والعداوة مقابل السلام،
والـدنسَ مقـابـل الطُهْر، والظُلْـمَ مـقـابـل الـعـدل والقصاص، وكـلَ الشرور الأخرى مقابل التقوى، لَمَا ذَهَبَتْ كلُّ تلك الجموع للتهلكة.
2 - يا لطوباوية الفاهمين ما هو حطب القش والتبن أمام النار التي تُلْقَى عليهما ، وما الأواني الفخارية أمام حَجَر إذا طُرِقَ به عليها .
أقـول هذا في وجهك، أيهـا الـروح النجس. فماذا تكـون أنـت وكـل آثامك أمام قوة الله الكامنة في الإنسان الذي يصنع الصلاح؟
3 - لا تفتخر بنفسك مـن أجـل أنـاس راقـدين أنك سلبتهم أو نهبت بيوتهم. تقدم نحو المتيقظين والسهارى، أيها القاتل.
4 - لماذا تحـوم حـواليهم في خيـالات الأحلام بأشكال شـتى؟ إذا كنت تريد القتال، فلا تترك أيَّ سلاح تحارب بـه ضـد مَـن يجعل اللهَ حقَّا في داخله، المتجـرد مـن أدناسك، المقاوم لـك، أيها المرتد.
هؤلاء الذين بدَّلوا ما يتعلق بطبيعتهم إلى ما هو ضد طبيعتهم، فأنت لست رجلاً ولا امرأة، ولـسـت ثـوراً أو حصاناً أو حماراً أو جمـلاً أو أي حيـوان.
وأنت أيضا لست حيَّةً أو عقرباً أو أياً من الزواحف، ولست من البربر أو الجماعات البشرية الشريرة، ولست بحـراً أو تجمعاً مائياً،
ولست جُبَّاً أو حفـرةً، ولست جَـَبلاً أو أرضـاً (مستوية)، ولست غنيَّا أو شحاذاً؛ لأنك تنتحل هيئة هؤلاء ومـن هـم أكثـر مـن هـؤلاء.
ومع ذلك فأنت لا تُعَدُّ واحداً منهم، فهيئتـك هـي هـي، وكذلك أنـت هـو أنـت: الشيء الملتف تماما على بعضه البعض ومن بعضه البعض،
ولا تملك، لا أنت ولا شياطينك، نصيباً ضئيلاً مـن عـضو في أي أحـد، فكل هيئة تتلون بها هي غريبة عنك، وكلها خيالات.
5 - فما شأنك أنت بالسماء والهواء والضياء حتى تتخذ هيئتها؟ مثلما تتخذ أيضا مثال ما سيكون في النهاية من نار وزلزال وبخـارٍ كثيفٍ ودخانٍ يتغلغلون في الأرض،
كما لو أن كل المسكونة ستهلك من جرَّاء الظلمة الكاذبة التي تعم كل العالم، وتتخذ هيئة الكثيرين من البشر ومن شياطينك، مهرولاً وصارخاً أنها النهاية، وتنزعج وتسقط وتقوم وتنطرح أرضاً.
كل هذا حتى تُضِلَّ الذين يرون خيالاتك الشريرة في الأحلام. وهكـذا تُبَـِّشُـر مـراراً كثيرة، بدءاً مـن هـذا الجيـل بواسطة الذين هم ملك لك، أن هذه هي النهاية، ولكنها ليست هـي.
فهم يكذبون بواسطتك، وأنت تكذب بواسطتهم، معتقدين أن ما يرونه من خلاله هو ملاكُ نورٍ، أم كيف تهتم بالإنسان؟ لأنك عندما تحثه قائلاً: " لا تخطئ " فأنت، على العكس، تتمنى موته بشدة، أيها المخادع جداً والسيل الجارف جداً.
6 - كيف تكون مَلِكَاً أو جنديَّا أو صاحب سلطة؟ لأنك تنتحل هيئتهم حتى تُزْعِج الذين يزعجونك.
مـا لـك واتخاذ شكل الجحيم، كما لو أنـك تقيـد البـشـر وتلقـي بهـم إلى النـار، عندما تتغطى (تتنكـر) في عالمـك بنـور مزيف، كما لو أنك أنت الله والمسيح؟ فكـل مـا هـو مـتغير وكـل مـا لـن يحـدث هو (كل) مـا تملك.
لأن الأشكال التي تتقمصها لدى أتباعك حال يقظتهم ليست هي التي تتقمصها في أحلام المتكلين علـى يـسـوع. لأنـك إن ظهرت لأتباعك كملاك فلن يصدقوك؛ لأنهم لا يعرفـون شـكل مـلاك الـرب، فهـم يعرفونك ككائن شيطاني.
أما إذا ظهرت بأشكالك (الحقيقية) للمنتبهين لك وهم متيقظون، فأنت تعلم أنهم سيتعرفون عليك. فمـاذا تفعل؟ تتخذ أمامهم هيئةً كما لملاك نوراني، وفي هذا أيضاً يتصدون لك، فلا (تستطيع) أن تتخفى عنهم.
لأنهم إن تصرفوا كما لو أنهم يريدون أن يرفعوا أياديهم عليك، يكونون كَمَن ضرب الريح.
7 - لأن من كانت بصيرة الله ليست بعيدة عنهم في أي وقت يميزون الملاك الحقيقي، وكل رؤيا صادقة، وكـل شـيء حقيقي، وكل كلمة، وكل شكل حقيقي من كل ما تُجَرِّب به البشر؛ لأن التجربة يتبعها رجاءٌ صالح للذين يميزون بين أرواح الحق وأرواح الضلال.
8- يا لهذا الجنون ! لماذا نصير حمقى فننتظر ملاكاً أو روحاً يظهر لنـا علانية أو يخاطبنا، في حين أن الله وروحه وملائكته يتحدثون إلينا داخليَّا؟
لأن الخاوين والذين ليس يسوع ساكناً فيهم هم الذين تقيـدهـم أنـت بتلك الأشكال، ولكنـك لـن تقـدر أن تـضـحـك علـى الذين هم حقاً للمسيح.
ما الذي لم تجعل الناس الذين بـلا إله عبيـداً لك فيه، صائرين غرباء عن هؤلاء الآخرين؟
9 - يا لطوباوية الذين سيعاينون هلاكك دون أن يهلكوا معك، في اليـوم الـذي فيـه غـضـبُ مـَنْ أهـلكـتَ أعمـالَ يديـه سـوف يطـويـك كالرماد، ويطرحـك، ويلقيـك في الجحيم.
وويـل للـذين سينظرون هلاكك ويهلكون معك. وويل للذين لم يميزوا حديثك أو فخك؛ لأنهم لم يميزوا صوت الأسفار (المقدسة) الذي خرج إلى كل الأرض.
10 - طوبى للذين ميزوك و(ميـزوا) أفكـارك المخفية ، ولا سيما أدناسك ، التي في قُدْرَة الأطفال الصغار أن يميزوها .
هي لا تخفى على الذين يستهزأون بك وبنجاساتك. أيها المعوج الذي علَّم كل السالكين بالاعوجاج، يـا مـن رُذِلَ فتسبب في أن تُـرْذَلَ شعوبٌ كثيرة.
كيـف سيُقال لجنس البشر: " ادعوهم " الفضة المرذولة؛ لأن الرب قد رذلهم ".
11 - لو قلتُ أن العَلُوقة قد خُلِقَتْ لتُشَبَّه بها، هذه التي لم تُشْبِعْها بناتُها، فالحقيقـة أنـك تتفوق عليهـا وتَفُوقهـا،
وهـي لـن تـستطيع أن تنافسك في عدم الشبع. ثلاثة هم الذين أُذِيع اسمهم أنهم لم يُشْبعوها في رغبتهـا الـتي أحبتهم فيهـا حـقَّـا "،
أمـا أنـتَ فـلـم يُـشْبِعْكَ سـافكُ الدماء، ولا عابد الأصنام الوثني، ولا الهرطوقي، ولا الظالم، ولا الزاني، ولا المأبون، ولا غير المؤمن، ولا كل الذين تركوا الله، يا قاتل الإنسان.
12- طوبى للذين لم يذوقوا طَعْمك أبداً حتى لا تذق طَعْمهم . لأنه حتمـاً عـلـى الـذيـن سـتذق طَعْمهـم أن يـذوقوا طَعْمـك؛ لأن نفـس تلـك الأطعمة هي التي أمامك معهم.
طـوبـي أيضاً للذين خزقوا حنجرتك فلـم تقـدر أن تبتلعهم بسبب عظـامهم الضخمة، أي الـذين تغضب عليهم فتهاجمهم، فـلا تقـدر علـيهم بسبب إيمانهم بالله، وبسبب صلاحهم، كذلك طـوبـي للـذين جعلوك تتقيأهم رغما عنـك بعـدما ابتلعتهم.
وذلك النظام المحيي يجعلك بائساً إلى الانقضاء، عندما سـيُبيـد يـسـوعُ بقيـةَ أفـكـارك علـى الأرض، ولـن تـعـود للوجـود.
13 - والذي لا يشبع سيبتلع مَن لا يشبع، أقصد الجحيم الذي ستهبط إليه. أنت لم تشبع من قتل البشر، وهـو لـن يـشبـع مـن قتلـك.
وعـدم شبعه ليس أكثـر هـولا مـن الـذي لـك، بـل هـو أشـد كثيراً. كيـف سَتُقْهَر فيـه إلى دهـر الـدهور، أنـت والـذين أكملـوا شهواتهم معـك وأنت معهم فيما هو ضد الطبيعة؟
14 - سم الأفعى له حدود، وهي في هذا لم تفعل ما هو خارج نطاق طبيعتها؛ لأن الله هو الذي وضعه فيها، أما سُمُّكَ أنـت فـأنـت الـذي أوجدته لنفسك بنفسك، فكيف يكـون لـه حـدود وهـو غريب عنك؟
إلى أي مدى تستطيع الأفعى أن تنفث السم؟ لأنه ربما يطـول القريبين منها، لأنهـا حتى إذا قفزت أو لدغت، فمـن هـو الـذي ستنال منه؟
أو كَم عدد الذين ستلدغهم؟ أو كَـم هـم الـذين ستخدشهم؟ أما أنتَ، أيها الشرير، فسمومك تطـول الذين في المسكونة كلها. أنت تفتن وتصيب الذين في العالم كله منذ البدء وحتى اليوم.
15 - إنـه لعجيـب كثرة تلك السموم الوفيرة الخارجـة مـن فـمـك، وأنت لا تكف عن نفثها بكل قوتك. كثيرون هـم الـذين يحفظون أنفسهم في كـل مكـان لـكـي لا يَـدَعون (سمومـك) تصيبهم،
وإن كانـت قطـرات منهـا قـد أصـابت كـثيرين، فغـربـة المسيح (في الجسد) (أي تجسد السيد المسيح على الأرض لفترة زمنية مؤقتة بهدف خلاص البشرية. هنا يستخدم أنبا شنوده لفظاً ذا أصل يوناني هو ⲉⲡⲓⲗⲛⲙⲓⲁ والذي يعني تَغَرُّب أو إقامة مؤقتة، لأن المكان الطبيعي للمسيح ابن الله هو عرشه الإلهي، أما تجسده وإقامته بين البشر فكانا مؤقتين لتتميم الفداء) تطهرهم منها إلى الانقضاء.
16 - الحية تنفث السم في عيني الجسد، أما أنت فتنفث (سُمَّك) تجـاه عـيني القلب. وهكـذا مـساكين وبؤسـاء هـم الـذين صيرتهم عمياناً حتى النهاية.
لأنه كما أن استبدادك بالذين سقطوا تحـت أقدامك عظيم ، وقد دست عليهم ،
كذلك لن يستطيعوا أن يتحدثوا عن ضعفك أمام مَن تسقط أنت عند أقدامهم ويدوسون عليك ، حيث لا سلطان آخـر لـك ولا عملاً تصنعه بهـم مـن شـرورك سـوى أن تتردد خارج أجسادهم بأمراض مختلفة بطرق كثيرة مؤلمة ،
كما قد قلنا إنه إذا كنـتَ قـد اسـتطعت أن تجـذبهم وتحـدرهم إلى نجاساتك ، فمالك ومحاربتهم بخيالات متعددة الأشكال حتـى إنك لا تدعهم ينامون ويرونك وأنت متسخ كلك وكل اتساخ محيط بك ،
وأنت تتحول إلى أدناسك وأدناسك تتحول إليـك ، حتى إنهـم يتقيأون وهـم نائمون أو إذا استيقظوا ؟
17 - لأن الحية ليس لها سلاح آخـر سـوى سمها، فليس لها أذرع ولا أرجل ولا قرون ولا مخالب، وليس ما يخشاه البشر هو أنيابها، بل سمها.
الحيـة تشبه خيطَ حبـلٍ طـويلاً أملساً جداً وسهل القطع. مَـن يهرب من سمها لن يموت به. هكذا بالحري أنت أيضاً، أيها العدو، ليس لك سلاحٌ آخر سوى سُم خطاياك؛ لأنك مقطع ومنثور أكثر من الحية،
ليس فقط لأن الله جعلـك بـائس في ذلك، لكن لأنه أيضاً سحق هيئتك الجسدية، كما هو مكتوب، وكما نعلـم عنـك مـن خلال ضعفك، حتى لو كان جسد الحية يظل سليماً إلى أن يُصطَاد.
18 - لأن الذين يخافون منـك ومـن خيالاتـك الباطلة، أيضا أثنـاء النهار، تلك التي يميزك فيهـا مَـن يـتكلم بهذا، هـم (في الواقع) يخافون مـن جثة هامدة،
ومَـن سـيـهـرب مـن شـرورك هـو مـَن لـم يعـر لوجودك اهتماماً، حتى لو كنت تملك سيوفاً في لحظة من الزمن، أمـا الآن فلـم تـعـد تملكهـا؛ لأن هـذا مستحيل، حتى إن الكتـاب المقدس يقـول (عنـك): "غير الموجود"، لأن سيوفك قـد فنيت تماماً.
وحتى إن كان بعضها ظل في حوزتك، فهي ليست ملكك، بل من أولئـك الـذيـن صـاروا حمقـى وسـلَّموها إياك، ضـارِّين أنفسهم بأنفسهم، لأن البشر هم الذين يمنحونك القوة حتى تتمكن منهم.
19 – سأخبرُ كـلَّ أحـدٍ عـن حـالـك ومـا فـُعِـَل بـك، لأن هـذا يشبه جنديَّا قـد قطع الملكُ يديه ورجليه، ونزع عنه سيفه وأسلحته وكل عتاد الحرب الخاصة به، ونفـاه عـن موضعه ومدينته؛ لأنه قاومه،
وبسبب أنـاتـه تـركـه حيـاً إلى اليـوم الـذي يـريـده لينـزع نفـسـه منـه هكـذا صُـِنَـع بـك، وهكـذا أُلْقِيتَ وطُرِدْتَ مـن الـسـمـاء ومـن كـل جيش الملائكة؛
لأنك تجـرأت، أيها الأحمق الأعمى، ولم تعرف أن الطين هو مَن سيقاوم الذي خلقه شيئا محتقرا وبلا كرامـة منذ تلك اللحظة.
وحتـى قـبـل أن تسقط، لم تكن ثابتًا في الحـق أبـداً، ولم تكن لك كرامـة مطلقاً؛ لأنك ملعـون أمام الله منذ أن خلقك، لأنه عـرف أحـوال مبـدأك ومنتهـاك أنهـا كلـها شـر وفساد وحـسد.
أيهـا العبد الحقيقي الفَارُ، عديم المنفعة، الهارب مـن سيده. ولكنـك لـن تقدر أن تهرب، ولن تستطيع أن تختبأ منه.
20 - أنا أعلم أمرا غير خافٍ على الفهماء، ألا وهو أن المسيح صبر واحتمل الذين صلبوه بواسطتك وبمشورتك الشريرة، أما أنت فبسبب ضعفك لم تعرف ماذا ستصنع حيال المستأهلين أن يهلكك يسوع في محيط شعبه ويمحيك.
21 - ولأنـه مـن الـواضـح أنـك مـن هـذا النوع ، ولا تملـك منـذ هـذه اللحظة درعاً أو سيفاً أو بلطةً أو منطقةً ياقوتية اللون أو ثوباً نازلاً إلى القدمين ،
ولا ملابس كتانية أو سلاسل لامعة أو عتاداً، أو منطقة مثل تلك التي لرافائيل وغبريال ، وتلك التي لرئيس الملائكة العظيم ميخائيل ، وتلـك الـتي لكافة الملائكة ، فالذي في حوزتـك ومـتـوفـر لديك سـوف أعلنه ( أفضحه ) لكـل أحـد :
بدلا مـن الـدرع الملائكي والمنطقة اتشحت بدرع شيطاني وتمنطقت بمنطقة مزيفة ؛
وبدلاً من السلسلة اللامعة والرداء المضيء صار لك سلسلة مظلمة وترتدي رداءً باهتاً معتماً وقاتماً : الظلمة التامة ؛
وكـل أفعالك تصير لك بواسطة الظلم والزنا والدنس والحسد وشرورك الأخـرى الـتـي لـسنا في حاجة إلى أن نعـددهـا واحـدة واحـدة ؛
لأننـا عرفناهـا كلها ، وعلمنا أنك أنت وآثامك حمـأةً مـن التبن موضـوعة فوق بعضها البعض لمن سيلقي عليها ناراً تضطرم فيها وتصير رماداً أمامها .
أمـا مَـن سيتوانى فتُصَوِّب (الحمأةُ) نحـوه السهمَ والسيفَ وكلَّ العتاد الحربي؛ لأن كل الأمم التي بـلا إلـه قـد أسقطتها، ليس برمح أو سهم،
بل بواسطة كل تعدياتك، أما أناس الله الحقيقيون فيصرعونك بواسطة طهارتهم وبرهم بكل نوع من العمل الصالح في كل تقوى.
22 - حقا ، من الواضـح أن قوتـك لـم يعـد لهـا وجـود ، لا أنـت ولا شياطينك ، حتى إن الإنسان يفعل الخطيـة بمفرده ، جاعلاً رغباته تسبق فكرك ، وشهوته سابقة على مشورتك أو تتبعها .
أمـا عـن هـذه التجربة التي تؤذي بها أجساد الذين يقاومون أفكارك القذرة، فالأمر ليس منك، لكنه راجع إلى إمهال الله؛
لأن كل قوة فاعلي الشر، مثل تلك التي فيك وفي رجالك، ليست بقـوة. أما رجالك أو الذين صاروا رجالك، فكل هؤلاء قد حسبهم الإنجيل تبئاً سَيُحْرَق بنار لا تُطْفَأ.
23 - انظر ، لأني لو كنت اهنـت مـلاك الله هكذا – حاشا ! هـو مبارك جداً - لكان أحرقني بلهيب نـاره؛ لأنه يملك القوة. أما أنت، يا كرونوس، فأنا أهينك وأتفوه عليك بهذا وبمـا هـو أكثـر مـن هـذا بالنهار،
ولا سيما بالليـل وعـلـى الـدوام، ولم تجـد مـا (يمكـنـك) أن تفعلـه ضـدي. لأنـه لـو كـانـت لـك قـوة ولم تكن هناك معونة الله لما كنت تسكت.
24 - ليس هو انتصار لـك أنـك مـلأت الجسم بالألم الخبيث.
إن كانـت هـذه هـي قوتك، فمَـن هـم أولئك الذين تنتصر عليهم سـوى الذين أسقطتهم لكل مـا هـو ضـد الطبيعة بمعرفة وبغير معرفة؟
لأن كل الذين لم يعرفوك بعد ولم يعرفوا سحرك لهم غفران أمـام الـرب.
أم أنك قـاض، يا معلم المكر؟ فمـرة تقنـع مـَن تحضرهم للخطية أن الله لن يحاسبهم، ومرة تحطم قلب الذين يشتهون أن يفارقوا شـرورك بأن الله لن يغفر لهم، كمـا لـو كنت تعلـم فكـر الـرب، ومـراحم كلمات الصوت القائل:
" ليترك الشرير طرقه ورجل الإثم أفكاره، وليتب إلى الرب فيرحمه؛ لأنه يُكْثِر الغفران جـداً لخطاياكم. لأن أفكاري لم تكن كأفكاركم، ولا طرقي طرقكم، بل كما بعـدت السماء عـن الأرض هـكـذا بعـدت طريقـي عـن طـريقكم وأفكاركم عن أفكاري.
25 - أيها الشيطان، أنت لا قوة لك إلا على الهدم. هـو تجديف أن تقول أن لك قوة لِتُنَفِّذ أو تفعل شيئا صالحاً مثلما يعتقد الوثنيون حتى تسلمهم ثمنـاً لغـضب الله.
هكـذا يـتكلم الـذيـن هـي عـادتهم أن يقاتلوك. لأنك تؤلم أجسادهم بأوجاع حتى تعزل الأجساد عن المسيح وأعضاءه؛ لأنهـم خاضعين لـه ويخدمونـه ويشكرونه حتـى وهـم في المرض؛ لأنه واضـح أنك لا تملك نفعاً، ولـن تـجـد منفعة في الإنسان الذي يخشى الله.
لم يصر أيوب البار غنيَّا بواسطة الله فقط بسبب صدقاته، بل أيضا من أجل الأمراض. ولعازر لم يكـن لـه مـا يعطي، بل كان يشتهي أن يشبع من (الفتات) الساقط من مائدة ذلك الغني، ولـم نـر أي عمـل قـد أُلْقِـَي بـسببه في حضن أب الآباء العظـيـم سـوى احتمال المرض.