طوبى للذين يراعون العدل
عظة طوبى للذين يراعون العدل
عظة
طوبى للذين يراعون العدل
عن الأصل القبطي الصعيدي
نقلاً عن كتاب النصوص المسيحية في العصور الأولى
الأنبا شنوده رئيس المتوحدين
مقدمة
هذه العظة الرائعة يبدأها الأنبا شنوده بالحديث عن سمو العدل ونبذ الظلم، ثم يتحدث عن اهتمام البعض بالحصول على الرتب الكهنوتية رغبة منهم في المجد الباطل، وليس بهدف خدمة الله وكنيسته وشعبه.
ويتخذ الأنبا شنوده من هذا الحديث فرصة ليخبر سامعيه كيف رفض هو درجة الأسقفية، اتضاعا منه، ليقدم نفسه قدوة للآخرين.
كذلك يتحدث في هذه العظـة عـن اشتراكه في مجمع أفسس المسكوني عام 431م بدعوة مـن البابا كيرلس عمـود الـدين، ممـا يجعـل لهذه العظـة أهمية خاصـة كمصدر لبعض المعلومـات عـن حيـاة رئيس المتوحدين.
والجـزء الأخير من العظـة خصصه الأنبا شنوده للحديث عن كنيسة العهد الجديد مقابل مجمع يهود العهد القديم، وكيـف رفض اليهـود الإيمان بالمسيح، وما خسره هؤلاء من جراء هذا العناد.
وصـلتنا هـذه العظـة كاملـة في مخطوطـة واحـدة هـي XH والمحفوظة في المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة والتي نشرها Chassinat عـام 1911م، كمـا وصـلتنا أجـزاء منهـا في ثلاث مخطوطات أخرى، وفي عام 1993 م قام Michael Foat بنشر ترجمة إنجليزية لهذه العظة".
العظة
(في حضرة إراكلامون الحاكم)
1 - طوبي للذين يراعون العدل، الذين يصنعون البر في كل حين.
طوبي للسالك بالعدل، المتكلم بالاستقامة، كارهاً التعدي والظلم، النافض يديـه مـن (قبض) الرشوة، الـذي يـصم أذنيـه لئلا يسمع حكماً ظالماً، ويغمض عينيه لئلا ينظر إلى الجور.
2 - هذا هو الذي سيسكن في مسكن عال من صخرة صلدة. أما الصخرة فهي المسيح؛ لأنه هو حقا (الصخرة) حسب أقوال الكتاب المقدس.
هـو حـقـا الـذي أَوْجَدَ الصخور والجبال والآكـام. السالك بالعدل هو الذي سيسكن في الصخرة الصلدة كما تقول الكلمة.
3 - والذي يحكم باستقامة سيتقوَّى بالتَّقوى، صائراً غير متزعزع في البر. سيُعْطَى الخبز، الذي هو ناموس الله، وأعمال بره ستُحسَب له، وهو سيُحسَب لأعمال بره التي صنعها.
4 - هذا هو الذي سَيُخَجِّل المحاباة، ويُفَرِّحُ الله بأحكامه (العادلة) وأعمال رحمته نحو الفقراء، حتى إن كثيرين من الآتين بعده يقاربون أعمال بره؛ لأنه هدم الضلال المتنوع للذين داسوا العدل (بأرجلهم).
5 - هـذا هـو الـذي سيكرمه المخلصُ الربُ يسوعُ ببركته، هو وكلَّ أهل بيته، أكثر مما (سيكرمه) الذين سيقنعونه بالرشاوى، مهلكين نفسه.
6 - لقـد قـلـتُ أيضاً ذلك الأمـر الآخـر أننـا كـلنـا نتحـرق مـن قلوبنـا ونهرول خلف العظائم والألقاب السامية، حتى تلك التي تخص الأسقفية والكهنوت.
أما الأعمال فنهملها جداً، ولا يهمنا أن الله سوف يُسَائلنا عن كل الأعمال التي تَغَافَلْنَا عنها أو لم تخطر على بالنا.
7 - كلنا نصب اهتمامنا علـى اللقـب وليس على الأعمال، ولم نفكر أبداً أنـه إنْ كان مكتوباً أنَّ الإيمان الراسخ في التقـوى، والذي بدونه لن يقدر أحدٌ أن يعرف الله، بدون أعمال باطل وميـت، فكـم بـالحري يكون اللقب أكثر بُطْلانـاً ومَوَاتاً إنْ لم يكـن لـه أعمالٌ بارة وطاهرة وحقيقية.
8 - مـن أجـل ذلك، إنْ كان يليـق أن أتحـدث عـن أمـر آخر، فهـي ليست رغبتي (أن أقوله). ومع ذلك، فمن أجل منفعة السامعين سوف أقوله، موبِّخـاً العـدو، وسوف أخـزيـه أيـضـاً بهـذا الأمـر.
9 - فكما تعلمون كلكم كَمْ من الأساقفة كَمْ يوماً وليلة قضوها ها هنا، مع جمع من الإكليروس والأراخنة والجنود وكذلك الشعب معهم، بأمر رئيس الأساقفة ورسائله، لكي أمضي إليـه مـن أجـل تـلـك السيامة كأسقف ولم أمـض،
راغبـاً بـذلك أن يتمجـد اسـمُ الله، وناظراً الكثيرين الذين يهرولون بأموالهم في جنون خلف اللقب لكي يشتروه، وليس خلف الأعمـال لكي يصنعوها،
مستهينين بعظمة المسيح من أجل مجد باطل، مثل عشب لا ثمر فيه.
10 - ولكني بالأحرى متعجبٌ حقاً أن السمعة الحسنة للذي داس على حُب الرئاسة قد تجاوزت سريعاً الأماكن التي وصلت إليها السمعة السيئة للذين يتناحرون فيمـا بيـنهـم مـن أجـل اغتنام اللقـب مقابـل الـذهب،
(قد تجاوزتهـا) لـيـس فـقـط إلى الإسكندرية أو أفسس، بل أيضاً إلى ساحة القضاء وحتى إلى بلاط الملوك، مثـل النور الذي يزيل الظلام ويبدد الغيوم.
11 - وذلك كما عرفنا بالحقيقة عندما سافرنا أثناء المجمع المقدس المسكوني العظيم، حيث شهد رئيس الأساقفة المكـرم لرؤسـاء الأساقفة الآخرين وللأساقفة ولكل الذين اجتمعوا، قائلاً لهم ما حدث،
مادحاً ومفتخراً وليس لائماً، وقد قصَّ هذا وغيره: "لقد أرسلتُ إليه مـن أجـل هـذا الأمر فلم يأت"، ولما كتبتُ إليه لكي يأتي معنا إلى المجمع، لم يتردد،
ولحق بنا سريعاً إلى هذه المدينة، وسبق الأساقفة الآخرين. وقد وصل قبل أن نتخذ أي قرار".
12 - أقولُ هذا ليس لمجرد أن أمدح نفسي، بل لأخبركم أنه يليق بنا أن نستهين بالمجـد الـذي يصدر عن البشر،
هذا الذي من أجلـه يصير الكثيرون أعـداء بعضهم البعض، عاشقين لحـب الرئاسة، مهرولين خلف ما يظهر لهُنَيْهَةٍ، متغافلين عما يبقى أبد الدهر.
13 - لقد زدتُ في قولي هذا الأمر الآخر: "هناك كثيرٌ من الأثرياء الذين ليس فقط غير مقتنعين أن يسمحوا لخدمهم أن يأكلوا معهم، بل (يعتبرون هـذا) كما لو أنه إهانة لهم".
لماذا لا نعي محبة البشر التي للمسيح الله؟ فهو، عنـدمـا تـأنـس مـن أجـل خلاصنا، لم يتكـأ فقـط مـع خـدامـه الـرسـل وكذلك الخُطـاة والعـشـارين، بـل وعـدهم أيضاً أن يجعلهم يأكلون على مائدته في ملكوته.
14 - لقـد قـلـتُ أيضاً: أ لا يوجـد أنـاس لا يسمحون لعبـد مـن عبيدهم، إذا أصيب بالعمى أو حدث له أي شيء آخـر مـقـزز، أن يَمْثُل في حضرتهم؟
فلماذا لا نخـزى إذاً مـن أن نقف في حضرة المسيح يسوع، رغم أن كل واحد (منا) يعرف قبح تعديه: كل ما يَمُتّ بِصِلَةٍ للدنس بكل أنواعه، وكل ما يَمُتّ بِصِلَةٍ للظلم بكل أشكاله؟
لو استطاع أحدٌ أن يُثَبِّتَ عين عبده، ألن يشفيه؟ إنـه لـن يـقـدر حتى أن يبرأ عين نفسه إذا هلكت، فما بالك بعين شخص آخر. أ ليس الله قادراً علـى كـل شـيء؟
فلماذا لا نتضرع إليـه أن يشفي عيـون قلوبنا وبقية أعضاء الجسد التي أهلكناها بأنفسنا؟
15 - عندما سأل البُرَّصُ والعميانُ قائلين: "يا رب، إن أردت تقـدر أن تطهرنا"، وأيضاً "نريد أن نبصر"، بماذا أجابهم الرحوم؟ قال لهم: "أريـد فـاطْهُروا"، فطَهَـروا سريعاً،
وللآخرين: "أبْصِروا"، فأبْصَروا. ماذا ننتظر لكي نمزق قلوبنا أمامه، سائلين: "يا رب، إن أردتَ تقـدر أيضاً أن تنجينـا مـن كـل ظـلـم، وتخلـصـنـا مـن كـل معصية، وتطهرنا من كل دنس، وتفتح عيـون قلوبنا"؟
وإن كنا حقاً نرغب في الطُهْر، فهو أشد رغبة في أن يطهرنا.
16 - كنـت أقـول هـذا أيضاً، مادحاً إياه، لأنـه كـان واقفاً في الكنيسة حتى أتمَّ كلُّ الجمع التناول مـن الـصعيدة المقدسة؛ لأنـه كان يوجد هناك جمع غفير.
17 وقد خاطبته هكذا: "شتَّان بين حاكم واقف الآن للمسيح، ساجد له، وحاكم جالس على كرسي القضاء، في حين الله، يسوع المخلص، واقـف لـه وهـو يحاكمه؟
18 - لأن هذه الساعات الثلاث التي كان فيها معلقاً على عود الصليب قد صالحت كلَّ الكنيسة مع أبيه بواسطته،
19 - أنظروا أية بركة عظيمة تلك التي حلَّت علينا، نحن وآبائنا وأبنائنا وكل قطيع المسيح. ولاحظوا أيضاً أي لعنـة شديدة تلك التي حلت على هيرودس الملك وبقية الأراخنة الذين استهزأوا به على الصليب وكل الذين لم يؤمنوا به،
ولا سيَّما رؤساء الكهنة الأشرار في ذلك الزمان، وأيضاً أولئك الكهنة وكذلك الكتبة الذين أَعْثَروا كلَّ الجمع وكافة الشعب لكي يجعلوهم لا يؤمنون به".
20 - وقلت له أيضاً: "لم يُعْطَ السيفُ للحاكم أو الجندي ليصيب به نفسه، بل ليساعد آخرين". أنا أتحدث عن السلطان الذي (أشير إليه) بالسيف.
والذين يحتاجون إلى النجـدة هـم المكروبون. ولا يوجد من سينصفهم سوى الحُكَّام، والذين يضربونهم به هم أولئك الذين يحبون الظلم، ويفسدون العدل من أجل المال.
21 - لأنه يوجد كثيرون كانوا صالحين جـداً قبل توليهم الحُكْم، ثم فسدوا جداً بعد أن صاروا في السُلْطَة.
22 - لأنه إن لم تُعِـن عنـايـةُ الله كـلَّ الحـكـام فسوف يصنعون مشيئتهم ضد من خلقهم.
لأنه عن ذلك كُتِبَ: "مثل إرادة صادرة عن صاحب السلطان، صالحة كانت أم رديـة – قال: هي قد صدرت من فمي. سوف تنفذها، وسوف تسري".
على سبيل المثال عندما قطع هيرودس رأس يوحنا، وجعل من نفسه مجرماً في حق دم بارٍ غير مذنبٍ، بدلاً من أن يرجع في كلمته أو قَسَمِهِ الشِّرير.
23 - وبينما هو يسمع ذلك وغيره، هو ومَن في رتبته ومَن كانوا في معيتهم، انسحب قائد الكتيبة الذي أتى معه من لسانه، وقال بـلا تَرَيُّث: "مـن هـو هـذا الـذي قال عنه المسيح أن الأصغر منه أعظم في ملكوت السموات"؟
وأيضا: "أريد أن أعـرف مَـن هـم هـؤلاء"، وكذلك: "كيف يكونون أعظم من بعضهم البعض"؟
24 - فقلت له: "ليس الأمر من الصعوبة بمكان أن نعلمك به. قد يبدو الأمر صعباً بالنسبة لك، لكن ليس لمن يعقل.
فالسيد المسيح كائن مع أبيه قبل كـل شـيء، وليس هنـاك مـن هـو أعـظـم منـه، لا إنسان ولا رئيس ملائكة ولا أيـة قـوة، لكنـه، كالتدبير، تكلـم عـن نفـسـه وعـن القديس يوحنا المعمدان.
فالأصغر منه هو المخلص؛ لأن (يوحنا) وُلِدَ، حسب الجسد، قبل (المسيح) بأيام. والمخلص أعظم منه في ملكوت السموات، ليس لأنه كائن قبل يوحنا فقط، بل قبل الكل.
25 - لأنه من التقوى الاعتراف أن لا أحداً كائن قبله، وأيضا من الكُفْر جداً القول بأن أحداً كائن قبله وقبل أبيـه والـروح القدس. فبالثالوث قـد خُلِقَ كلُّ شيء، وكل شيء صار بالثالوث".
26 - هل أقول ذلك الآن بسبب أولئك الذين كنتُ بالفعل قد تحدثت معهم؟ أ لا أقول هذا من أجلكم؟
لأنه قبل تلك الأزمنة كان يُقال أن الله قد ظهر في اليهودية، أما الآن فلائق ومناسب أن نقول أن الله يظهر في كنيسته ودياراته في كل الأرض، وفي كل نفس مسيحية.
27 - أ لا يتجلى الشيطان في الأمم، ومنهم الوثنيين، بواسـطة كفرهم؟ أ ليس هـؤلاء هـم الـذيـن قـال عنهم النبي: "الحيـة تـأكـل التراب كالخبز"؟
أمـَّا أنـا فأحسب كلَّ الأجنـاس الـتـي بـلا إلـه كحيـات. "تأكـل الـتراب كالخبز" أي تسجد للأشجار والأحجار وكـل الأباطيـل الأخـرى.
هـم يعبـدون الشيطان، معتقدين أن مـَنْ يسجدون هـم لـه هـو إلـه، وأنهم يحيون به، ويقتاتون بواسطته، مثل أتباع المسيح الذين يحيـون بالمسيح ويقتاتون بواسطته،
كمـا هـو مكتوب: "تَقَـوَّتْ بـالرب"، وأيضاً: "فمـا أحيـاه أحيـاه في إيمـان ابـن الله"، وكذلك: "لي الحياة هي المسيح".
28 - أ لا تُشْرِق الشمس على كل الأرض؟ ومع أنها مخلوقة، فكل الأرض مملوءة من نورها. والله ومسيحه يُشْرِقان أكثر في كل مكان تسكنه التقوى.
والتقوى هي حقاً ساكنة في كل أمور العدل، وهـي (أمور العدل) ظاهرة؛ لأن الله ومسيحه وروحه ساكنون فيها.
29 - نحن نقول ذلك مراراً أنه حيث تكون العروس فهناك يكون العـريس وذووه. وحيـث تكـون التقـوى فهنـاك يكـون المسيح وملائكته، ونقـول أيـضـاً إنـه حيـث تـكـون الفريسة هناك تكـون الوحوش والطيـور؛ لأنهـا طعامهم.
كذلك حيثمـا يكـون الكُفْر فهناك يكون إبليس وشياطينه وكل الأرواح النجسة؛ لأنه (الكفر) طعامهم.
والزنـاة والزانيـات والظالمون والمُخَنَّثـون الـذين للشيطان ومضاجعي الـذكور هـم أسـوا مـن الحـيـات والأفاعي، يأكلون التراب، حتى وإن كانوا ينطقـون اسـم الله أو يسكنون في دياره، حتى وإن كانوا يحملون اللقب والإسكيم.
30 - لأنـه لـيـس بـاطـلا قـال الـنبي: "الحيـات وأولاد الأفاعي الـتي تطير". مـا مـعـنـى هـذا الكلام؟ لماذا لـن نـخـجـل مـن ألغـاز الأنبيـاء؟
الحيات التي تزحف على الأرض هـم كـل الـوثنيين وكل الأمم الـتي تسجد للمخلوق دون الخالق، الله الضابط الكل.
الحيات التي تطير هم أولئك الذين يفعلون ما هو ضد الطبيعة في عدم التقوى. "تطير" أي أننا نرفع أيادينا إلى الله ومسيحه، ونلهج في نواميسه، ونتحدث عن فرائضه، ونفتخر بالمسيح يسوع، ونعرف مشيئته. وبدلاً من أن نفعل ما يحب، تمادينا في إتمام مـا يـكـره.
مَـْن مـِن عبيد الله لن يقول أن الذين صلبوا المسيح هـم أفاعي، هم وآباؤهم وكل تلك الذُرِّيَة غير المؤمنة؟ حقاً الحيات وأولاد الأفاعي.
31 - كذلك مـَن هـم أولئك الذين يحتقرهم الـروح القدس، بأن صيَّر الأنهار قفاراً، سوى رؤساء ذلك المجمع اليهودي، و(حَوَّل) ينابيع المياه إلى ظمأ، سـوى شعوبهم، حتـى جـفُّـوا عـنـدمـا نـزع الله معرفته منهم؟
ومـَن هـم أولئك الذين يكرمهم الـروح القدس، بأن صيَّر البرِّية بحيرات ماء، والأرض التي بلا مياه ينابيع ماء، سوى الأمم الـتي جعـل معرفتـه تفيض عليهم بسخاء؟
هـم الـذين يقـول عنهم: "أجْعَلُ القفر أجمة ماء، والأرض اليابسة مفاجر مياه"، وأيضا: "انفجرت في البريـة ميـاه". أيـَّة معرفة أو أي تعليم أو إيمـان ليست كنيسة المسيح كاملة فيه كله؟
32 - هـؤلاء هـم أيضاً الذين يجذبهم الـروح القدس إليـه، قائلاً: "تجددي نحوي أيتها الجزائر"، وأيضا: "سيحل مجد الرب على جزائر البحر"، البحر هو العالم، والجزائر هي كنائس المسيح، ومسكنه في كل الأرض.
لأن كتاب الله قال: "بيتي بيت الصلاة يُدْعَي لكل الشعوب"، وكذلك: "ستأتي كل الأمم وتملأ هذا البيت مجداً"، وأيضا: "كـل الأمـم الـذين صنعتهم يأتون ويسجدون أمامـك".
"تجددي نحوي أيتها الجزائر" تعني تحولهم عن (عبادة) الأوثان وعن عدم المعرفة إلى المعرفة الحقيقية.
33 - أمـا مجمع اليهـود، فقلـب كهنتـه وقـلـب رؤسائه قـد فـسد. كيـف لا يَفْسَد قلبـُه جـداً؟ أ ليـسـت هـذه هـي الأرض التي جعلوهـا مالحة بسبب شر الساكنين فيهـا؟
"الملح" يعني أن عدم الإيمان قـد تمكن منهم، ولم يريدوا أن يقبلوا المسيح داخلهم.
34 - مثل إنسان يرتدي حلة بهية، ورؤيتهـا عليـه يثير الاندهاش. والذين كانوا يرغبون بشدة في إكرامه وافتخاره اشتهوا أن يُلْبِسُوه (حلة) أخرى، وأن يكسوه برداء مدهش. ولكن لما لم يقتنع، بسبب غبائه المفرط، خلعوا عنه تلك الأخرى وتركوه عرياناً.
هكذا أيضاً اليهودي التعيس، فهو لم يُرِدْ أن يؤمن بالمـسـيـح حـتـى يـنـال الـروح القدس ويتقوى بالثالوث. لقد جُعِلَ غريباً عن الآب، وصار عرياناً لا يستره شيء.
35 - أيضاً مثل مدينة بلا أسوار. هكذا حال مجمع اليهود، الذين جعلـوا أنفسهم بـلا إلـه؛ والذين يكرهونهم – أي الشياطين الذين يطـأونهم - قد اخترقـوهـم مـن كـل نـاحيـة.
حتى لو كانت لها قبل اليـوم أسوار، أما الآن فهي ليست فقـط بـلا أسوار، بل مُهَدَّمَة كل التهديم. أما الأسوار فلا زالت هي الأسوار، ولكن بالنسبة لمجتمعات الأمم (الوثنية)، وليس بالنسبة لليهود غير المؤمنين (بالمسيح).
36 - لأنه أ ليست كثيرة هـي أسوار الكنيسة؟ ولكن الأكثر (أهميـة) أن هذا يحيط بها، وليس آخر سواه سور لها.
اسمعوا ماذا يقول النبي وعمن يتكلم – أما أنا فسوف أضع الكنيسة مكان أورشليم؛ فهـي التي تنطبق عليها النبوة أكثر: "وأنا أكون لهـا سـور نـارٍ مـن حولها، وأكون مجداً في وسطها".
37 - لأنه ليس فقط العريس، أي المسيح، هو سور، بل العروس أيضاً، أي الكنيسة، فمثلاً هـي الـتـي تقـول: "أنـا سـور وثدياي برجان". مَن سمع ومَن رأى ثدياً كبرج؟ فالأثداء هي للإرضاع. فما هما الثديان (المقصودان هنا)؟
هما العهد القديم والعهد الجديد. هما برجان لأنهما مكان حراسة كل نفس مسيحية، وما في داخلهما هو حياة: اللبن والطعـام القـوي، العسل والخبز.
وكل رجاء الكنيسة ينبـع مـن هـذين الثديين، العهد القديم والعهد الجديد. هذا هو ما يخبرنـا بـه عنهما المكتوب: "نحـب ثدييك أكثـر مـن الخـمـر؛ لأن المستقيم قد أحبـك.
ومـن هـو المستقيم سـوى المسيح؟ مستقيم مـِن مستقيم، إله مِـن إلـه، ابن قدوس مـن آب مبـارك. هذان هما الثديان اللذان نُحَضُّ أن نشرب من تعزيتهما.
هذان هما برجاها اللذان يقال عنهما: "طوفوا بصهيون وأحيطوا بها، تكلموا في أبراجها، ثِقُوا في قوتها".
ومعناه: عَلِّمُـوا كـل جـنـس الـبـشـر مـن العهد القديم والعهـد الجديد حتى يعرفوا المسيح ابن الله؛ حتى يعبدوه ويسجدوا له.
38 - إنه مثل وجبة رغب فيها شخصٌ ما عند المساء ليأكلها دوناً عن (أخـرى) كثيرة موضـوعة له. ولمـا بقيـت حـتـى الـصـباح أُلْقِـيَ بـهـا خارجاً لأنها فسدت. هكذا حال مجمع اليهود.
قد أحبهم الرب الإله دونـاً عـن كـل شـعـوب ذلـك الـزمـان بـسبب إيمانهم. أما الآن فقـد طرحهم خارجاً، وكرههم بسبب عدم إيمانهم، وتركهم مثل مدينـة قد دُمِّرَتْ وخُرِّبَتْ، لدرجة أن ليس ملاك واحد يسكن معهم (فيها)، ناهيك عن الملك المسيح.
39 - أيـضـا مثـل كـرمـة جميلـة أُخِـذَ منهـا غـصـنٌ قـد نـمـى بهـذا المقدار، ثم زٌرِعَ في الأرض، ولما كبر جداً، وصـار لـه جـذر، وتجـدد يوماً فيوماً، امتدَّ وأصبح كرمةً عظيمةً جداً، كثيرة الأغصان، واسعة الظل.
أما الكرمة نفسها فشاخت، وفارقتها العافية، وصارت غير مثمرة، وعجوز، وقريبة من الفناء. ثم قُطِعَتْ من الغصن الذي صار كرمة عظيمة، وثُقِبَتْ، ونُزِعَتْ من وسطه، وجُعِلَتْ غريبة عنه.
هكـذا حـال مجمـع اليهـود، فكنيسة الأمـم قـد تـقـدمت، وتلـك الأخـرى قد تراجعت وشاخت حقاً، واقتربـت جـداً مـن الفـنـاء، واسْتُأصِلَتْ من الكنيسة الجامعة.،
40 - أ لم يأت المسيح من إسرائيل حسب الجسد، والكنيسة قـد انبثقت منه؟ لأن ألوهية الرب وملكوته مُدَلَّلٌ عليهما في كافة أسفار الكتاب المقدس.
كذلك الكنيسة مُشَارٌ إليها، خاصة في سفر نشيد الأنشاد. فـهـو مـن بدايته إلى نهايتـه يـتكلم عـن الـرب معهـا ويتكلم عنها مع الرب.
41 - إن كان الملك المسيح الرب يقول: "أنا هو الباب"، فيُقال أيضاً عن الملكة الكنيسة: "إن تكن باباً فنضع عليها ألواح أرز"،