تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الصَّدِيقَةُ الْمُخْتَارَةُ التي في بَابِلَ، وَمَرْقُسُ ابْنِي. سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةِ الْمَحَبَّةِ الْمُقدَّسَةِ. السَّلاَمُ لَكُمْ جَمِيعَاً أيهَا الَّذِينَ في الْمَسِيحِ يَسُوعَ.
( لا تُحِبُّوا العَالَمَ ولا الأشْيَاءَ التي في العَالَمِ، لأنَّ العَالَمَ يمْضِي وَشَهْوَتُهُ مَعَهُ، وأمَّا مَنْ يَعمل مَشِيئَةَ اللهِ فإنه يَثْبُت إلى الأبدِ. آمين. )
في مثل هذا اليوم من سنة 123 للشهداء ( 407م ) تنيَّح القديس يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية،
وُلِدَ هذا القديس في سنة 347م من أب شريف اسمه اسكوندس كان قائداً في الجيش، وأم تقية اسمها أنثوسا.
مات أبوه وهو طفل، وترك والدته وسنها عشرين سنة، فكرست الأم التقية حياتها لتربية طفلها، فشب على التقوى وكل فضيلة مقدسة،
واجتهدت في تعليمه فأرسلته إلى الفيلسوف ليبانيوس الأنطاكي، فنبغ يوحنا في هذه العلوم، ثم درس القانون وعمل محامياً.
زهد بعد ذلك في أمور العالم، وتفرغ لدراسة الأسفار الإلهية، واهتم باقتناء الفضائل المسيحية، ثم عزم على اعتزال العالم.
تبعاً لمشورة صديقه المحبوب باسيليوس، ولكن إلحاح والدته جعله يعدل عن هذا الفكر،
فعكف في مقر سكنه على سيرة النسك والعبادة ثم انفرد في جبل قريب، مواظباً على دراسة الكتاب المقدس مع التقشفات الشديدة،
ولكنه لاعتلال صحته اضطر أن يعود إلى أنطاكية. ارتقى إلى درجة الكهنوت وكان يعظ في الكنائس،
فذاع صيت فصاحته وروحانيته، فانتخبوه بطريركاً للقسطنطينية عام 398م في عهد أركاديوس الملك،
فظل القديس يجاهد في تعليم شعبه، ويوبخ المخالفين خصوصاً السيدات المتبرجات في ملابسهن لكي يلزمن الحشمة.
فوشى به بعض الأشرار إلى الملكة أفدوكسيا، أنه يقصدها بالذات، فغضبت وأضمرت له الشر وهيجت الملك أركاديوس عليه، فأصدر أمراً بنفيه.
فغضب الشعب وثار، ولكن القديس هدَّأ مشاعرهم وسَلَّم نفسه للجند،
فأخذوه ليلاً إلى المنفي الذي لم يستمر فيه إلا يوماً واحداً إذ حدثت زلزلة عظيمة هدمت جانباً كبيراً من المدينة،
فارتعبت الملكة من ذلك وسَعَت لدى الملك لاستعادة القديس من نفيه في الحال،
وهكذا عاد القديس بين فرح الشعب وتهليله ودخل كنيسة الرسل بصحبة الأساقفة وبدأ يمارس مهامه الروحية.
لم يدم هذا الصفو طويلاً، إذ غضبت الملكة أفدوكسيا مرة أخرى بسبب عظاته النارية التي تستنكر الخلاعة والبذخ،
وعزمت أن تعقد مجمعاً للحكم عليه، وفعلاً نجحت في أن تجعل المجمع يحكم بعزله ونفيه.
فنُفي بأمر المجمع والملك إلى مدينة كوكوزا بأرمينيا ولما رأوا نشاطه هناك وحب الشعب له، نقلوه إلى منطقة أخرى تسمى كومانا
( كومانا: مدينة قديمة في منطقة الكبادوك)، فوصلها في آخر رمق، إذ كانت صحته قد تدهورت،
فصلى وبسط يديه وأسلم روحه الطاهرة في يدي الله الذي أحبه، فدفنوه هناك بعد أن ترك كتباً كثيرة في العقائد وتفاسير الكتاب المقدس، وواجبات الكهنوت، وسيَر بعض النساك.
بركة صلواته فلتكن معنا آمين.
2 - نياحة القديس بولس بجبل دنفيق
وفيه أيضاً تنيَّح الأب القديس الراهب بولس، بجبل دنفيق ( دنفيق: قرب نقادة الحالية بمحافظة قنا).
وُلِدَ هذا القديس بقرية دنفيق، وكان والده فلاحاً، وعَلَّمه مهنة النجارة.
لما كبر بولس اشتاق للحياة الرهبانية، وزهد العالم وما فيه، وذهب إلى جبل دنفيق القريب من بلدته وترَّهب هناك متتلمذاً على يديّ أحد شيوخ هذا الجبل.
وكان بسيطاً طاهراً، فأقاموه قساً ومدبراً للإخوة، فأحسن تدبيرهم بمخافة الله وقادهم في طريق الفضيلة والنسك،
وكان قد بلغ إلى درجات عالية من القداسة فاختُطف إلى السماء، وأبصر الأسرار الغامضة، ورأي الملائكة يسبحون الله.
وحين أراد الرب أن ينقله إلى مواضع النياح الأبدي، جمع الرهبان وأوصاهم بحفظ قوانين الرهبنة، ثم تنيَّح بسلام. فدفنه الرهبان بكرامة عظيمة.