قراءات يوم الجمعة السادس من الصوم الكبير
قراءات يوم الجمعة من الأسبوع السادس من الصوم الكبير
قراءات يوم الجمعة السادس من الصوم الكبير
قراءات يوم الجمعة من الأسبوع السادس
النبوات
مِنْ سِفْرِ الْتَّكْوِينِ لِمُوسَى النَّبِيِّ بَرَكَتْهُ الْمُقَدَّسَةُ فَلْتَكُنْ مَعَنَا. آمين). ۲۲: ۱ - ۱۸)
وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللَّهَ امْتَحَنَ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ لَهُ: " إِبْرَاهِيمُ إِبْرَاهِيمُ! ". فَقَالَ: " هَأنذا ". قَالَ لَهُ: " خُذِ ابْنَكَ الْحَبِيبَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَامْضِ إِلَى الْأَرْضِ الْمُرْتَفِعَةِ، وَأَصْعِدُهُ لِي هُنَاكَ مُحْرَقَةٌ عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أُرِيكَ ". فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ مُبَكَّرًا وَأَسْرَجَ أَتَانَهُ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ، وَشَقَّقَ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ، وَقَامَ وَمَضَى إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللَّهُ.
وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ فَأَبْصَرَ الْمَكَانَ مِنْ بَعِيدٍ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلَامَيْهِ: " إِجْلِسَا أَنْتُمَا هَهُنَا مَعَ الْأَتَانِ، وَأَنَا وَالْغُلَامُ نَمْضِي إِلَى هُنَاكَ فَنَسْجُدُ، وَنَرْجِعُ إِلَيْكُمَا ". فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ابْنِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِينَ. وَذَهَبًا كِلَاهُمَا مَعًا وَقَالَ إِسْحَاقُ لِإِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ: " يَا أَبَتِ! ". فَقَالَ: " هَأَنَذَا يَا ابْنِي؟ ". قَالَ: " هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، فَأَيْنَ الْحَمَلُ الَّذِي يُقَدَّمُ لِلْمُحْرَقَةِ؟ " فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: " إِنَّ اللَّهَ يَرَى لهُ حَمَلًا لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي ". وَمَضَيَا كِلَاهُمَا مَعًا فَلَمَّا وَصَلَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللَّهُ عَنْهُ، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ مَذْبَحًا وَرَفَعَ عَلَيْهِ الْحَطَبَ وَأَوْثَقَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ، وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحَ فَوْقَ الْحَطَبِ. وَمَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السّكِينَ لِيَذْبَحَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ فَنَادَاهُ مَلَاكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: " إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ! ". فَقَالَ: " هَأَنَذَا " فَقَالَ: " لَا تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلَامِ وَلَا تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا؛ لِأَنِّي الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَخَافُ اللَّهَ، وَلَمْ تُشْفِقُ عَلَى ابْنِكَ الْحَبِيبِ لأَجْلِي ". فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا بِكَبْشٍ مُوثَقٌ بِقَرْنَيْهِ فِي شَجَرَةٍ تُدْعَى صَابَاكَ، فَمَضَى إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِهِ. وَسَمَّى إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ: " الرَّبُّ تَرَاءَى لي عَلَى هَذَا الْجَبَلِ ".
وَنَادَى مَلَاكُ الرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ مَرَّةً ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: " إِنِّي أَقْسَمْتُ بِذَاتِي يَقُولُ الرَّبُّ، بمَا أَنَّكَ عَمِلْتَ بِكَلامِي، وَلَمْ تُشْفِقُ عَلَى ابْنِكَ الْحَبِيبِ مِنْ أَجْلِي. بالْبَرَكَةِ أَبَارككَ، وَأَكثرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرِّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئ الْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ مُدُنَ مُضَايِقِيكَ، وَتَتَبَارَكُ بِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الْأَرْضِ، مِنْ أَجْلٍ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي ".
(مَجْدًا لِلثَالُوثِ القُدُّوس إلهنا، إلَى الأَبَدِ وإِلَى أَبَدِ الْآبَادِ كُلَّهَا. آمِينَ)
مِنْ سِفْرٍ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ بَرَكَتُهُ الْمُقَدَّسَةُ فَلْتَكُنْ مَعَنَا. آمين. (٤٥: ١١ - ١٧)
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ وَجَابِلُهُ: " قَدْ سَأَلُونِي عَمَّا سَيَأْتِي! أَلَعَلَّكُمْ تُوصُونَنِي فِي أَمْرٍ بَنِيَّ وَعَمَلِ يَدَيَّ؟ أَنَا صَنَعْتُ الْأَرْضَ وَخَلَقْتُ الْبَشَرَ عَلَيْهَا. يَدَايَ نَشَرَتَا السَّمَاوَاتِ، وَأَنَا أَمَرْتُ جَمِيعَ جُنْدِهَا. أَنَا أَقَمْتُهُ لِلْعَدْلِ، وَسَأْقَوِّمُ جَمِيعَ طَرُقِهِ. هُوَ يَبْنِي مَدِينَتِي وَيُطْلِقُ أَسْرَايَ بِلا ثَمَنٍ وَبِلَا رَشْوَةٍ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ ". هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: " تَعَبُ مِصْرَ وَتِجَارَةُ كُوشِ وَالسَّبَئِيُّونَ ذَوو الْقَامَاتِ العَالِيَةِ يَعْبُرُونَ إِلَيْكَ وَيَكُونُونَ لَكَ. خَلْفَكَ يَمْشُونَ بِالْقُيُودِ يَمَرُّونَ وَلَكَ يَسْجُدُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْكَ قَائِلِينَ: إِنَّمَا اللَّهُ فِيكَ وَلَيْسَ آخَرُ، لَيْسَ إِلَهُ غَيْرَهُ ".
أَنْتَ هُوَ اللَّهُ وَلَمْ نَعْلَمُ يَا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ الْمُخَلِصَ هَا هُوَذَا يَخْزَى وَيُعَيَّرُ جَمِيعُ الْمُعَانِدِينَ لَهُ وَيَمْشُونَ بِالْخَجَلِ تَجَدَّدِي لِيَ أَيَّتُهَا الْجَزَائِرُ، لِأَنَّ إِسْرَائِيلَ يَخْلُصُ مِنْ قِبَلِ الرَّبِ خَلَاصًا أَبَديًّا. لَا تَخْزَوْنَ وَلَا تَخْجَلُونَ إِلَى الْأَبَدِ.
(مَجْدًا لِلثَالُوثِ القُدُّوس إلهنا، إلَى الأَبَدِ وإِلَى أَبَدِ الْآبَادِ كُلَّهَا. آمِينَ)
مِنْ سِفْرِ أَمْثَالِ سُلَيْمَانَ الْحَكِيمِ بَرَكَتُهُ الْمُقَدَّسَةُ فَلْتَكُنْ مَعَنا. آمين. ( ۹ : ۱۲ - ۱۸ )
إنْ كُنْتَ حَكِيمًا فَلِنَفْسِكَ، وَإِنْ كُنْتَ سَاخِرًا فَعَلَيْكَ وَحْدَكَ الْمَرْأَةُ الْجَاهِلَةُ صَخَّابَةٌ حَمْقَاءُ، لَا تَدْرِي شَيْئًا. فَتَجْلِسُ عِنْدَ بَابِ بَيْتِهَا عَلَى كُرْسِيِّ فِي مَشَارِفِ الْمَدِينَةِ، لِتَدْعُوَ عَابِرِي الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِينَ فِي سُبُلِهِمْ: " مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلْيَمِلْ إِلَى هُنَا ". وَتَقُولُ لِكُلِّ فَاقِدِ اللُّبِ: " إِنَّ الْمِيَاهَ الْمَسْرُوقَةَ حُلْوَةٌ، وَالْخُبْزَ الْخَفِيَّ يَلِذُ ". وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّ الْجَبَابِرَةَ هُنَاكَ، وَأَنَّ نُدَمَاءَهَا فِي أَعْمَاقِ الْجَحِيمِ.
(مَجْدًا لِلثَالُوثِ القُدُّوس إلهنا، إلَى الأَبَدِ وإِلَى أَبَدِ الْآبَادِ كُلَّهَا. آمِينَ)
مِنْ سِفْر أَيُّوبَ الْصِدِّيق بَرَكَتُهُ الْمُقَدَّسَةُ فَلْتَكُنْ مَعَنَا آمِين. (١:٣٦ - ٣٣)
ثُمَّ عَادَ أَليَهُو فَقَالَ: اِصْبِرْ عَليَّ قَلِيلًا، فَأَبَيْنَ لَكَ فَإِنَّ لِي عَنِ اللَّهِ أَقْوَالًا أُخْرَى. إِنِّي أَتَّخِذُ عِلْمِي مِنْ بُعْدِ، وَأُثْبِتُ الْعَدْلَ لِصَائِعِي وَعَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ أَقْوَالِي لَا كَذِبَ فِيهَا. بَلْ هِيَ لَدَيْكَ كَمَالُ الْيَقِينِ.
إِنَّ اللَّهَ عَظِيمٌ. وَهُوَ لَا يَزْدَرِي أَحَدًا عَظِيمُ الْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ. لَا يُحْيِي الْمُنَافِقَ، وَيَقْضِي حَقَّ الْبَائِسِينَ. لَا يَصْرِفُ طَرْفَهُ عَنِ الصَّدِيقِ، وَالْمُلُوكُ عَلَى الْعَرْشِ هُوَ يُمَكِّنُهُمْ عَلَى الدَّوَامِ، فَيَرْتَفِعُونَ. وَإِذَا أُوثِقُوا بِالْقُيُودِ، وَنَشِبُوا فِي حَبَائِلِ الشُّقَاءِ، يُنْبِئُهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ، إِذَا تَجَبَّرُوا، وَيَفْتَحْ أَذَانَهُمْ لِلتَّأْدِيبِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْإِقْلَاعِ عَنِ الْإِثْمِ. فَإِنْ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا قَضَوْا أَيَّامَهُمْ فِي الطَّيِّبَاتِ وَسِنِيهِمْ فِي النِّعَمِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا، هَلَكُوا بِحَدِ السَّيْفِ، وَفَاضَتْ أَرْوَاحُهُمْ وَهُمْ بِلَا حِكْمَةٍ. لَكِنَّ مُنَافِقِي الْقُلُوبِ يَذْخَرُونَ لَهُمْ غَضَبًا غَيْرَ مُسْتَغِيثِينَ فِي قُيُودِهِمْ. تَمُوتُ نُفُوسُهُمْ فِي الصَّبَا، وَحَيَاتُهُمْ حَيَاةُ الْمُخَنَّثِينَ. أَمَّا الْبَائِسُ فَيُخَلِصُهُ مِنْ بُؤْسِهِ وَفِي الضَّغْطِ يَفْتَحُ أَذَانَهُ.
وَهَكَذَا يَجْتَذِبُكَ مِنْ فَمِ الضِيْقِ إِلَى رُحْبٍ لَا ضَنْكَ فِيهِ، وَيَمْلأُ أَطْعِمَةَ مَائِدَتِكَ دَسَمًا. وَلَكِنْ إِذَا اسْتَوْفَيْتَ دَعْوَى النِّفَاقِ، فَالدَّعْوَى وَالْقَضَاءُ يُمْسِكَانِكَ لِأَنَّكَ فِي حَالٍ سُخْطِهِ فَرُبَّمَا اجْتَذَبَكَ بِضَرْبَةٍ. فَلَا يُخَلِصُكَ الْفِدَاءُ الْكَثِيرُ. أَفِي ضَنْكَ هُوَ فَيَعْتَبِرَ يَسَارَكَ وَجَمِيعَ أَرْكَانِ اقْتِدَارِكَ لَا تَتَشَوَّقَ إِلَى اللَّيْلِ لِتُغِيرَ عَلَى الْقَبَائِلِ فِي مَوَاضِعِهِمْ إِحْذَرُ أَنْ تَتَّجِهَ إِلَى الْإِثْمِ فَإِنَّكَ لِأَجْلِ ذَلِكَ مُنِيتَ بِالْبُؤْسِ.
إِنَّ اللهَ مُتَعَالِ بِقُدْرَتِهِ، فَمَنْ يُمَاثِلُهُ فِي الْمُتَشرَعِينَ؟ مَنْ سَنَّ لَهُ طَرِيقَهُ، أَوْ قَالَ لَهُ: قَدْ فَعَلْتَ شَرًّا؟ اذْكُرْ أَنْ تُعَظِمَ عَمَلَهُ الَّذِي تُرَنِّمُ بِهِ الْأَنَامُ. كُلُّ بَشَرٍ يَرَاهُ، وَالْإِنْسَانُ يُبْصِرُهُ مِنْ بَعِيدٍ إِنَّ اللَّهَ عَظِيمٌ فَوْقَ مَا نَعْلَمُ وَعَدَدُ سِنِيهِ لَا يُحْصَى. يَجْذِبُ قِطَارَ الْمَاءِ، ثُمَّ تَهْطِلُ مَطَرًا لِثِقْلِهَا. تُفِيضُهَا الْغُيُومُ وَتَصُبُّهَا عَلَى الْبَشَرِ وَبَلًا. فَهَلْ مَنْ يَفْهَمُ كَيْفَ إِنْتِشَارُ السُّحُبِ؟ وَكَيْفَ قَصِيفُ مِظَلَّتِهِ؟ يَنْشُرُ نَورَهُ عَلَيْهِ، وَيَتَسَرْبَلُ بِغِمَارِ الْبَحْرِ إِنَّهُ بِذَلِكَ يَدِيْنُ الشُّعُوبَ، وَيَرْزُقُهُمْ طَعَامًا وَافِرًا. يَكْسُو كَفَّيْهِ بِالنُّورِ، وَيَأْمُرُهُمَا بِتَنْكِيلِ الْمُعْتَدِي. وَرَعْدُهُ يُنْبِئُ بِهِ عِبَادَهُ عِنْدَ حَمَلَتِهِ.
(مَجْدًا لِلثَالُوثِ القُدُّوس إلهنا، إلَى الأَبَدِ وإِلَى أَبَدِ الْآبَادِ كُلَّهَا. آمِينَ)
وأيضًا مِنْ سِفْرٍ أَيُّوبَ الْصِدِّيق بَرَكَتُهُ الْمُقدَّسَةُ فَلْتَكُنْ مَعَنَا آمين. (١:٣٧ - ٢٤)
فَلِذَلِكَ ارْتَعَدَ قَلْبِي وَخَفَقَ مِنْ مَوْضِعِهِ. اِسْمَعُوا صَوْتَهُ إِذَا قَصَفَ وَخَرَجَتِ الزَّمْزَمَةُ مِنْ فِيهِ. يُطْلِقُهُ تَحْتَ جَمِيعَ السَّمَاوَاتِ، وَنُورُهُ يَبْلُغُ إِلَى أَطْرَافِ الْأَرْضِ. وَوَرَاءَهُ يُزَمْجِرُ صَوْتٌ، يُرْعِدُ بِصَوْتِ جَلَالِهِ، وَلَيْسَ مَنْ يَتْبَعُ ذَلِكَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَهُ. يُرْعِدُ اللَّهُ وَمَا أَعْجَبَ صَوْتَهُ. يَصْنَعُ عَظَائِمَ لَا نَعْلَمُهَا لِأَنَّهُ يَقُولُ لِلثَّلْجِ أَسْقُطْ عَلَى الْأَرْضِ. وَكَذَا لِوَابِلِ الْمَطَر، لِوَابِلِ أَمْطَارٍ عِزَّتِهِ. يَخْتِمُ عَلَى يَدِ كُلِّ بِشَرٍ، لِيَعْرِفَ كُلُّ النَّاسِ خَالِقَهُمْ. فَيَدْخُلَ الْوَحْشُ عَرِينَتَهُ، وَيَسْتَقِرُّ فِي مَأْوَاهُ تَخْرُجُ الزَّوْبَعَةُ مِنْ أَخَادِيرِهَا، وَالْبَرْدُ مِنْ رِيَاحِ الشَّمَالِ بِنَسَمةِ اللَّهِ يَحْدُثُ الْجَمَدُ، وَتَتَضَيَّقُ سَعَةُ الْمِيَاهِ. ثُمَّ إِنَّهُ يَشْحَنُ السَّحَابَ بِالنَّدَى وَيَشْقُ الْغَمَامَ بِنُورِهِ. فَيَطُوفُ مُتَقَلِبًا كَمَا يَدِيرُهُ، لِيَفْعَلَ كُلَّ مَا يَأْمُرُهُ فِي مَعْمُورِ الْأَرْضِ مُرْسِلًا بِهِ. إِمَّا إِلَى قَبِيلَةٍ أَوْ إِلَى أَرْضِهِ أَوْ إِلَى مَا شَاءَ مِنْ رَحْمَتِهِ.
فَأَصْغِ لِهَذَا يَا أَيُّوبُ، وَقِف وَتَأَمَّلْ عَجَائِبَ اللهِ. أَتَعْلَمُ كَيْفَ يَصْرِفُهَا اللهُ، وَكَيْفَ يُبْرِقُ بِنُورِ غَمَامِهِ؟ أَتَعْلَمُ مُوازَنَةَ السَّحَابِ، وَعَجَائِبَ ذِي الْعِلْمِ الْمُحِيطِ؟ كَيْفَ تَكُونُ ثِيَابُكَ دَفِيئَةً حِينَ تَسْكُنُ الْأَرْضُ مِنْ هُبُوبِ الْجَنُوبِ. أَلَعَلَّكَ صَفَّحْتَ مَعَهُ الْفَلَكَ وَهُوَ صُلبٌ كَالْمِرْآةِ الْمَسْبُوكَةِ؟ عَلّمْنَا مَاذَا نَقُولُ لَهُ. فَإِنَّنَا لَا نُحْسِنُ الْكَلَامَ بِسَبَبِ الظُّلْمَةِ هَلْ يَنْمِي إِلَيْهِ كَلَامِي إِذَا تَكَلَّمْتُ؟ إِنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ بِذَلِكَ إِنْسَانٌ لَمَحَقَ؟ إِنَّ نُورَهُ لَا يُنْظَرُ إِلَيْهِ إِذَا لَمَعَ فِي الْغُيُومِ ثُمَّ تَمُرُّ الرّيحُ فَتَقْشَعُهَا مِنَ الشَّمَالِ يُجْلَبُ الذَّهَبُ، أَمَّا اللَّهُ فَبَهَاؤُهُ مَنِيعٌ. إِنَّنَا لَا نُدْرِكُ الْقَدِيرَ الرَّفِيعَ الْقُوَّةِ وَالْقَضَاءِ، الْكَثِيرَ الْعَدْلِ. الَّذِي لَا يَجُورُ. فَلِذَلِكَ يَرْهَبُهُ الْأَنامُ، وَكُلُّ حَكِيمِ الْقَلْبِ لَا يُدْرِكُهُ.
(مَجْدًا لِلثَالُوثِ القُدُّوس إلهنا، إلَى الأَبَدِ وإِلَى أَبَدِ الْآبَادِ كُلَّهَا. آمِينَ)
سفر طوبيا
سفر طوبيا
القِسْمُ الأَوَّلُ
مِنْ سِفر طوبيا بَرَكَتْهُ الْمُقَدَّسَةُ فَلْتَكُنْ مَعَنَا. آمین. (١، ٢، ١:٣-٦)
كِتَابُ طُوبيت بن طوبيلَ بنِ حَنَانْئِيلَ بنِ أَدُوئِيلَ بْنِ غَافَالَائِيلَ مِنْ نَسْلِ أَشِيلَ مِنْ سِبْطِ نَفْتَالِيمَ. وَمَدِينَتُهُ فَوْقَ الْجَلِيلِ. فَوْقَ نَحْشُونَ وَرَاءَ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَغْرِبِ. وَلَهُ عَنِ الْيَسَارِ مَدِينَةُ صِيفَاتُ. وَقَدْ كَانَ فِي جُمْلَةِ الَّذِينَ سُبُوْا فِي أَيَّامٍ شَلْمَنَاصَّرَ مَلِكِ أَشُورَ. وَلَمْ يَتْرُكُ طَرِيق الِاسْتِقَامَةِ وَالْحَقِّ لِأَجْلِ السَّبِي. وَكَانَ يُقَسِّمُ عَلَى إِخْوَانِهِ الْمَسْبِيِّينَ مَعَهُ مِنْ إِسْرَائِيلَ مَا يُحَصِّلُهُ كُلَّ يَوْمٍ وَكَانَ هُوَ أَشَدَّ شُبَّانِ قَبِيلَةِ نَفْتَالِيمَ. إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَمَرَّدُ وَلَا سَعَى مُتَعَوِّجًا وَلَا سَفِهَ كَفِعْلِ بَعْضٍ الشُّبَّانِ. وَلَمَّا كَانُوا يَذْهَبُونَ جَمِيعًا وَيَسْجُدُونَ لِلْعُجُولِ الذَّهَبِيَّةِ الَّتِي صَنْعَهَا يَرُبْعَامُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ كَانَ يَفِرُّ وَحْدَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَ يَجِيُّ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ وَيَسْجُدُ فِيهِ لِلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ يُقَرِّبُ أَبْكَارَهُ وَأَعْشَارَهُ كُلَّهَا بِرَغْبَةٍ. وَظَلُّ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ يُفَرِّقُ أَعْشَارَهُ جَمِيعَهَا عَلَى الْمُحْتَاجِينَ وَالْغُرَبَاءِ. وَكَانَ يَفْعَلُ هَذِهِ الْفِعَالُ وَهُوَ حَافِظٌ لِنَامُوسِ اللَّهِ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ.
وَإِذْ بَلَغَ أَنْ صَارَ رَجُلًا اتَّخَذَ لَهُ امْرَأَةً مِنْ قَبِيلَتِهِ اسْمُها حَنَّةً وَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ سَمَّاهُ طُوبيا. وَعَلَّمَهُ مِنْ صِغَرِهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وَيَبْتَعِدَ مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ. وَلَمَّا سُبِيَ مَعَ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ وَكُلَّ عَشِيرَتِهِ إِلَى مَدِينَةِ نِينَوَى كَانَ الْجَمِيعُ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِ الْوَثَنِيِّينَ، أَمَّا هُوَ فَقَدْ حَفِظَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَتَنَجَّسْ بِذَلِكَ. وَكَانَ يَذْكُرُ الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِهِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ نِعْمَةً أَمَامَ شَلْمَنَاصَّرَ الْمَلِكِ. فَأَكْرَمَهُ شَلْمَنَاصَّرُ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ حَيْثُمَا أَرَادَ وَيَفْعَلَ مَا شَاءَ فَكَانَ يَقْصِدُ كُلَّاً مِنَ الْمَسْبِيِّينَ وَيَعِظُهُ بِأَقْوَال السَّلَامِ وَلَمَّا جَاءَ إِلَى رَاجِيسَ مَدِينَةِ مَادِيَ كَانَ قَدْ بَقِي مَعَهُ مِمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ الْمَلِكُ عَشْرَ وَزَنَاتٍ فِضَّةٌ. فَوَجَدَ هُنَاكَ جَمْعًا غَفِيرًا مِنْ جِنْسِهِ الْمَسْبِيِّينَ وَمِنْهُمْ غَافَالَائِيلُ الَّذِي هُوَ مِنْ قَبِيلَتِهِ مُحْتَاجًا فَأَقْرَضَهُ الْعَشْرَ الْوَزَنَاتِ الْمَذْكُورَةَ وَأَخَذَ عَلَيْهِ وَثِيقَةً بِهَا.
وَبَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ مَاتَ الْمَلِكُ شَلْمَنَاصُرُ وَتَمَلَّكَ عِوَضَهُ ابْنُهُ سَنْحَارِيبُ، وَكَانَ هَذَا يُبْغِضُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ طُوبِيتُ لَمْ يَزَلْ كُلَّ يَوْمٍ يَمْضِي إِلَى بَنِي جِنْسِهِ وَيُعَزِّيِهِمْ جَمِيعًا وَيُفَرِّقُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ مَالِهِ لَكُلِّ وَاحِدٍ. فَكَانَ يُطْعِمُ الْجِيَاعَ، وَيَكْسُو الْعُرَاةَ، وَيَدْفِنُ الْمَوتَى وَالْمَقْتُولِينَ، بِاجْتِهَادٍ. وَلَمَّا رَجَعَ الْمَلِكُ سَنْحَارِيبُ مِنْ أَرْضِ يَهُوذَا هَارِبًا مِنْ ضَرْبَةِ اللهِ الَّتِي ضَرَبَهُ اللهُ بِهَا مِنْ أَجْلِ مَا جَدَّفَ بِهِ، كَانَ مُغْتَاظًا جِدًّا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَانَ طُوبِيتُ يَدْفِنُ جَثَامِينَهُمْ فَأُخْبِرَ الْمَلِكُ بِذَلِكَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَسَلْبِ جَمِيعِ أَمْوَالِهِ. فَهَرَبَ طُوبِيتُ عُرْيَانًا وَاخْتَبَأَ هُوَ وَابْنُهُ وَامْرَأَتُهُ إِذْ كَانَ مُحِبُّوهُ كَثِيرِيْنَ وَبَعْدَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا قَتَلَ الْمَلِكَ أَوْلَادُهُ. فَحِينَئِذٍ رَجَعَ طُوبِيتُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَاسْتَرَدَّ كُلَّ مَا كَانَ قَدْ فُقِدَ لَهُ.
وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ عِيدِ الرَّبِّ، صَنَعَ طُوبِيتُ فِي بَيْتِهِ طَعَامًا جَيِّدًا. وَقَالَ لِابْنِهِ: اِذْهَبْ وَائْتِ بِبَعْضٍ قَبِيلَتِنَا الْخَائِفِي اللَّهَ لِيَأْكُلُوا مَعَنَا. فَلَمَّا رَجَعَ أَخْبَرَهُ أَنَّه رَأَى رَجُلًا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ مَذْبُوحًا فِي السُّوقِ، فَقَامَ طُوبِيتُ وَتَرَكَ الطَّعَامَ وَذَهَبَ صَائِمًا بِسُرْعَةٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْجُثَّةِ. فَحَمَلَهَا إِلَى بَيْتِهِ سِرًّا لِيَدْفِنَهَا خِفْيَةً بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ أَنْ خَبَّأَ الْجُثَّةَ، حَضَرَ مَعَ ضُيُوفِهِ فَأَكَلَ خُبْزًا بِخَوْفٍ وَبَكَى مُتَذَكَّرًا الْكَلِمَةَ الَّتِي قِيلَتْ مِنَ الرَّبِّ بِلِسَانِ عَامُوصَ النَّبِيِّ، وَهِيَ هَذِهِ: " أَيَّامُ أَعْيَادِكُمْ تَتَحَوَّلُ بُكاءً وَعَوِيلًا ". وَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ ذَهَبَ وَدَفَنَ الْجُثَّةَ. وَكَانَ أَقْرِبَاؤُهُ يَلُومُونَهُ بِعَمَلِهِ هَذَا قَائِلَيْنِ مِنْ أَجْلِ فِعْلِكَ هَذَا أَمَرَ الْمَلِكُ بِقَتْلِكَ وَلَمْ تَخْلُصْ مِنَ الْمَوْتِ إِلَّا بِالْجَهْدِ، وهَا أَنْتَ لَمْ تَزَلْ تَدْفِنُ الْمَوْتَى فَكَانَ طُوبِيتُ يَخَافُ اللَّهَ أَكْثَرَ مِمَّا يَخَافُ مِنَ الْمَلِكِ، وَكَانَ يَسْتَسْرِقُ جُثَثَ الْقَتْلَى وَيُخَبِّئُهَا فِي بَيْتِهِ، وَإِذَا تَنَصَّفَ اللَّيْلُ يَذْهَبُ يَدْفِنُهَا.
وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ قَدْ تَعِبَ وَأَعْيَا مِنْ دَفْنِ الْجُثَثِ، فَجَاءَ إِلَى بَيْتِهِ وَأَلْقَى بِنَفْسِهِ بِجَانِبِ حَائِطٍ مِنْ حِجَارَةٍ وَنَامَ. وَكَانَ هُنَاكَ وَكُرٌ لِلسُّنُونُو فَوَقَعَ مِنْهُ قَذَرٌ سُخْنُ فِي عَيْنَيْ طُوبِيتَ فَعَمِيَ. وَلَمْ يَسْمَحِ اللَّهُ بِهَذِهِ التَّجْرِبَةِ عَلَيْهِ إِلَّا لِيَجْعَلَهُ مِثَالًا بِالصَّبْرِ لَمِنْ يَكُونُ بَعْدَهُ كَمَا كَانَ لِأَيُّوبَ الصِّدِّيقِ. وَكَمَا أَنَّهُ مُنْذُ صِبَاهُ اتَّقَى اللَّهَ وَحَفِظَ وَصَايَاهُ، وَلَمْ يَتَضَجَّرُ مِنْ ضَرْبَةِ الْعَمَى الَّتِي اتَّفَقَتْ لَهُ. وَلَكِنْ قَبِلَ ذَلِكَ بِشَكْرِ اللَّهِ. وَهَكَذَا اسْتَمَرَّ شَاكِرًا كُلَّ أَيَّامٍ حَيَاتِهِ. وَكَمَا كَانَ أُولَئِكَ الْمُلُوكُ أَصْدِقَاءُ أَيُّوبَ الصِّدِّيقِ يُعَيِّرُونَهُ. هَكَذَا كَانَ كُلُّ عُصْبَةِ طُوبِيتَ وَأَقْرِبَاؤُهُ يَسْخَرُونَ مِنْهُ ويُعَيِّرُونَهُ بِعِيْشَتِهِ هَذِهِ. قَائِلِينَ: أَيْنَ رَجَاؤُكَ الَّذِي كُنْتَ لِأَجْلِهِ تَعْمَلُ الصَّدَقَاتِ وَتَدْفِنُ الْمَوْتَى؟ فَكَانَ يُجِيبُهُمْ قَائِلًا لَا تَتَكَلَّمُوا بِهَذَا، فَإِنَّنَا أَبْنَاءُ الْقِدِيسِينَ مُنْتَظِرُو الْحَيَاةِ الَّتِي يُعْطِيهَا اللَّهُ لِلَّذِيْنَ يَحْفَظُونَ أَمَانَتَهُ أَبَدًا بِدُونَ تَغْيِيرٍ.
وَكَانَتْ حَنَّةُ امْرَأَتُهُ تَعْمَلُ فِي الْحِيَاكَةِ، وَمِنْ تَعَبِ يَدَيْهَا تَأْتِي بِمَؤُونَةٍ حَسْبَمَا تَسْتَطِيعُ تَحْصِيلَهُ وَذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهَا حَمَلَتْ جَدْيًا وَأَخَذَتْهُ إِلَى الْمَنْزِلِ. وَلَمَّا سَمِعَ ثُغَاءَ الْجَدْيِ قَالَ: أَنْظُرُوا فَإِنْ كَانَ سَرِقَةً رُدُّوهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَتَنَجَّسَ أَوْ نَأْكُلَ السَّرِقَةَ. فَأَجَابَتْهُ امْرَأَتُهُ وَقَدْ غَضِبَتْ مِمَّا قَالَهُ. قَدْ تَبَيَّنْتُ خَيْبَةَ رَجَائِكَ، وَظَهَرَتِ الآنَ صَدَقَاتُكَ وَبِهَذَا الْكَلَامِ وَمِثْلِهِ كَانَتْ تُعَيِّرُهُ.
فَتَوَجَّعَ طُوبِيتُ حِينَئِذٍ وَتَحَسَّرَ ، وَذُرفَتْ دُمُوعُهُ وَهُوَ يُصَلِّي قَائِلًا: عَادِلٌ أَنْتَ يَا رَبُّ وَجَمِيعُ أَحْكَامِكَ عَدْلٌ ، وَطْرُقُكَ كُلُّهَا رَحْمَةٌ وَصِدْقٌ وَحَقٌّ فَاذْكُرْنِي الآنَ بِرَحْمَتِكَ ، وَلَا تَنْتَقِمْ مِنِّى لِخَطَايَاي ، وَلَا تَذْكُرْ زَلَّاتِي وَلَا زَلَّاتِ أَبَائِي فَإِنَّنَا مَا أَطَعْنَا أَوَامِرَكَ ، فَلِذَلِكَ أَسْلَمْتَنَا لِلسَّبْيِ وَالنَّهْبِ وَالْقَتْلِ وَجَعَلَتَنَا حَدِيثًا لِلْأُمَمِ وَعَارًا فِي كُلِّ الْقَبَائِلِ الَّتِي تَشَتَّتُنَا بَيْنَهُمْ . وَهَكَذَا قَدْ ظَهَرَتِ الْآنَ عَظَمَةُ عَدْلِكَ لِأَنَّنَا مَا عَمِلْنَا بِوَصَايَاكَ وَلَا سَلَكْنَا بِاسْتِقَامَةٍ أَمَامَ وَجْهِكَ. وَالْآنَ يَا رَبُّ بِحَسَبِ رِضَاكَ، اِصْنَعْ لِي وَأْمُرْ أَنْ تَقْبَلَ نَفْسِي بِرَاحَةٍ إِذْ الْمَوْتُ أَصْلَحُ لِيَ مِنَ الْحَيَاةِ.
القِسْمُ الثَّانِي مِنْ سِفر طوبيا ( ۳ : 7 - 23)
وَاتَّفَقَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ذَاتِهِ أَنَّ سَارَةَ ابْنَةَ رَعُوائِيلَ فِي مَدِينَةِ أَكْفَاتْيَا، قَدْ أَسْمَعَتْهَا عَارًا إِحْدَى جَوَارِي أَبِيهَا. وَذَلِكَ أَنَّها كَانَتْ قَدْ تَزَوَّجَتْ بِسَبْعَةِ رِجَالٍ الْوَاحِدِ بَعْدَ الْآخَرِ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ أَزْمُودَاوُسُ، يَقْتُلُ كُلَّا مِنْهُمْ سَرِيعًا عِنْدَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا. وَلَمَّا انْتَهَرَتْ سَارَّةُ الْجَارِيَّةَ عَلَى ذَنْبٍ مَا، أَجَابَتْهَا قَائِلَةً: لَا يَكُونُ بَعْدُ انْتِظَارُ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى مِنْكِ عَلَى الْأَرْضِ يَا قَاتِلَةَ أَزْواجِهَا. أَتُرِيدِينَ أَنْ تَقْتُلِينِي كَمَا قَتَلْتِ سَبْعَةَ رِجَالٍ؟ فَإِذْ سَمِعَتْ سَارَّةُ هَذَا الْكَلَامَ صَعِدَتْ إِلَى الْغُرْفَةِ الْعُلْوِيَّةِ فِي بَيْتِهَا وَأَقَامَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ مِنْ دُونِ أَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ. وَكَانَتْ تَسْكُبُ الدُّمُوعَ وَتُصَلِّي إِلَى اللَّهِ أَنْ يُخَلِّصَهَا مِنْ هَذَا الْعَارِ. وَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، أَنَّهَا بَارَكَتِ اللَّهَ عِندَ إِتْمَامِ صَلَوَاتِهَا وَقَالَتْ: مُبَارَكٌ اسْمُكَ يا إلَهَ آبَائِنا لأنَّكَ تَرْحَمُ عِندَ غَضَبِكَ، وَفِي وَقْتِ الشِّدَّةِ تَغْفِرُ الْخَطَايَا لِلَّذِينَ يَدْعُونَكَ فَإِلَيْكَ يَا ربُّ أَوَجِّهُ وَجْهِي، وَنَحْوَكَ أَرْفَعُ عَيْنَيَّ. وَأَسْأَلُكَ يَا رَبِّي أَنْ تُخْلِصَنِي مِنْ رِبَاطِ هَذَا الْعَارِ أَوْ تُزِيلَنِي عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ. وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَالِمٌ أَنِّي مَا اشْتَهَيْتُ زَوْجًا قَطُّ وَقَدْ حَفِظْتُ نَفْسِي نَقِيَّةٌ مِنْ كُلِّ هَوًى. وَإِنِّي قَط لَمْ أَجْعَلْ نَفْسِي بَيْنَ اللَّاعِبِينَ، وَلَا صَحِبْتُ ذوي الْخِفَّةِ. وَلَا أَحْبَبْتُ أن أَلْتَصِقَ بِرَجُلٍ بِهَوَايَ وَلَكِنْ بِخَوْفِكَ. وَلَمْ أَكُنْ أنَا أَسْتَحِقُهُمْ وَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّنِي. وَتَكُونُ بِمَشِيئَتِكَ قَدْ حَفِظْتَنِي لِزَوْجِ آخَرَ وَأَحْكَامُكَ لَيْسَتْ بِمَشُورَةِ إِنْسَانٍ وَهَذَا هُوَ الْيَقِينُ عِنْدَ كُلَّ الَّذِينَ يَعْبُدُونَكَ أَنَّ مَنْ يَحْيَا بِتَجْرِبَةٍ يَتَتَوَّجُ، وَمَنْ أَحَاطَتْ بِهِ شِدَّةٌ يَتَخَلَّصُ. وَإِنْ كَانَ لِلتَّأْدِيبِ فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى رَحْمَتِكَ. فَإِنَّكَ يَا رَبُّ لَا تَرْتَضِي بِهَلَاكِنَا، وَبَعْدَ الْهَيْجَانِ تَجْعَلُ هُدُوءًا عَظِيمًا، وَبَعْدَ دُمُوعِ الْبُكَاءِ تُفِيضُ السُّرُورَ فَلْيَكُنِ اسْمُكَ يَا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ مُبَارَكًا إِلَى الْأَبَدِ.
القِسْمُ الثَّالِث مِنْ سِفر طوبيا (٢٤:٣-٦٠٥٠٤: ١-٩)
فَاسْتَجِيبَتْ حِينَئِذٍ صَلَاتُهُمَا لَدَى مَجْدِ الْإِلَهِ الْعَلِي، فَأَرْسَلَ الرَّبُّ مَلَاكَهُ الطَّاهِرَ رَافَائِيلَ لِيَشْفِيَهُمَا، لأَنَّهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قُبِلَتْ صَلَوَاتُهُمَا أَمَامَ اللَّهِ.
فَلَمَّا عَلِمَ طُوبِيتُ أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ قُبِلَتْ طَابَ لَهُ أَنْ يَمُوتَ وَنَادَى إِلَى ابْنِهِ طُوبيا وَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ يَا وَلَدِي كَلَامِي وَاجْعَلْهُ فِي قَلْبِكَ كَالْأَسَاسِ إِذَا أَخَذَ اللَّهُ نَفْسِي، إِدْفِنْ جَسَدِي وَالْتَزِمْ وَالِدَتَكَ جَمِيعَ الْأَيَّامِ الَّتِي تَحْيَا بَعْدُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ الْأَخْطَارَ الْعَظِيمَةَ وَالْآلَامَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي احْتَمَلَتْهَا لِأَجْلِكَ فِي بَطْنِهَا. وَحِينَ تَقْضِي أَجَلَهَا إِدْفِنُهَا بِجَانِبِي فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا أَنْتَ فَاحْفَظَ نَامُوسَ اللَّهِ فِي قَلْبِكَ كُلِّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ وَلَا تَمِلْ إِلَى خَطِيَّةٍ، وَلَا تَتَجَاوَزْ وَصَايَا الرَّبِّ إِلَهِنَا. تَصَدَّقُ مِمَّا لَكَ وَلَا تُحَوِّلُ وَجْهَكَ عَنِ الْفَقِير، فَيَكُونَ أَنَّ اللهَ لا يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْكَ. كُنْ رَحُومًا حَسْبَمَا تَسْتَطِيعُ فَإِنْ كَانَ مَالُكَ كَثِيرًا، فَلْيَكُنْ مَا تُعْطَي كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا فَقَلِيلًا عَنْ طِيبِ قَلْبٍ. فَإِنَّهُ يَكُونُ لَكَ كَنْزُ إِحْسَانٍ لِيَوْمِ الاحْتِيَاجِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَاتِ تُنَجِّي مِنَ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ. وَتُنْقِذُ النَّفْسَ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى الظُّلْمَةِ الصَّدَقَةُ تَكُونُ لِصَانِعِهَا هَدِيَّةٌ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ اللَّهِ الْعَلِيَّ، وَاحْذَرُ مِنْ كُلِّ زِنِّى وَلَا تَتَّخِذِ امْرَأَةٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِكَ. وَلَا يَتَسَلَّطِ التَكَبُرُ عَلَى قَلْبِكَ وَلَا عَلَى شَفَتَيْكَ، لأَنَّهُ بِهِ كَانَ ابْتِدَاءُ كُلَّ هَلَاكِ. أَعْطِ أَجْرَةَ الْعَامِلِ فِي وَقْتِهَا، وَلَا تُبْقِ أَجْرَةَ أَجِيرِكَ عِندَكَ أَلْبَتَّةَ وَكُلُّ مَا تَكْرَهُ أَنْ يُفْعَلَ بِكَ لَا تَفْعَلْهُ أَنْتَ بِأَحَدٍ اشْتَرِك مَعَ الْجِيَاعِ وَالْفُقَرَاءِ بِأَكْلِ خُبْزِكَ، وَاكْسِ الْعُرَاةَ مِنْ ثِيَابِكَ. قَدِمْ خُبْزَكَ وَخَمْرَكَ عِنْدَ دَفْنِ الْبَارِّ وَلَا تَشْرَبْ مِنْهَا وَلَا تَأْكُلْ مَعَ الْخُطَاةِ. الْتَمِسِ الرَّأْيَ مِنَ الْحَكِيمِ بَارِكِ اللَّهَ كُلَّ حِينٍ، وَاسْأَلْهُ أَنْ يُقَوِّمَ طَرْقَكَ فَتَثْبُتَ كُلُّ آرَائِكَ.
وَاعْلَمْ يَا وَلَدِي أَنِّي مُنْذُ كُنتَ أنْتَ طِفلا، أعْطَيْتُ غَافَالَائِيلَ فِي رَاجِيسَ مَدِينَةِ الْمَادِيِّينَ عَشْرَ وَزْنَاتٍ فِضَّةٌ، وَأَخَذْتُ عَلَيْهِ وَثِيقَةً بِهَا هِيَ عِنْدِي. فَتَبَصَّرْ كَيْفَ يُمْكِنُكَ أَنْ تَذْهَبَ إِلَيْهِ، وَتَأْخُذَ مِنْهُ الْوَزَنَاتِ الْمَذْكُورَةَ وَتُسَلَّمَهُ الْوَثِيقَةَ. وَلَا تَجْزَعْ يَا وَلَدِي، فَإِنَّنَا وَإِنْ كُنَّا نَعِيشُ عَيْشَ الْفُقَرَاءِ. فَلَنَا خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، إِنْ كُنَّا نَتَّقِي اللَّهَ وَنَحْيَا بِالْبِرِّ وَنَبْتَعِدُ عَنْ كُلَّ خَطِيَّةٍ.
حِينَئِذٍ أَجَابَ طُوبيا أَبَاهُ قَائِلًا: إِنِّي فَاعِلٌ كُلَّ مَا أَمَرْتَنِي يَا أَبَتَاهُ. أَمَّا الْوَزَنَاتُ الَّتِي ذَكَرْتَ، فَلَا أَعْلَمُ كَيْفَ يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهَا، إِذْ إِنَّنِي لَا أَعْرِفُ الرَّجُلَ وَهُوَ لَا يَعْرِفْنِي، وَأَيَّ عَلَامَةٍ أَجْعَلُ لَهُ وَأَنَا لَا أَعْرِفُ طَرِيقًا أَسِيرُ بِهَا إِلَى هُنَاكَ. فَقَالَ طُوبِيتُ: يَا بُنَيَّ بِيَدِي عَلَيْهِ وَثِيقَةٌ، إِذَا أَرَيْتَهُ إِيَّاهَا، سَلَّمَ الْمَالَ إِلَيكِ حَالًا فَالْتَمِسِ الْآنَ إِنْسَانًا ثِقَةً يَصْحَبُكَ تَحْتَ أَجْرَةٍ، وَإِذْ أَنَا بَاقٍ حَيًّا، اِذْهَبْ وَاقْتَضِ مَبْلَغَ الدَّيْنِ. فَخَرَجَ طُوبيا فَوَجَدَ شَابًّا حَسَنًا قَائِمًا مُسْتَعِدًا كَأَنَّهُ عَلَى جَنَاحَ السَّفَرِ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ طُوبِيا غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّهُ مَلَاكُ اللَّهِ، وَقَالَ لَهُ مِمَّنْ الشَّابُ الصَّالِحُ؟ فَأَجَابَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ طوبيا: وَهَلْ تَعْرِفُ طَرِيقًا إِلَى مَدِينَةِ الْمَادِيِّينَ. فَأَجَابَ الْمَلَاكُ: أَعْرِفُ إِلَيْهَا طُرُقًا عَدِيدَةً قَدْ سَلَكُتُهَا إِلَى أَخِينَا غَافَالَائِيلَ الْقَاطِنِ فِي رَاجِيسَ مَدِينَةِ الْمَادِيِّينَ فِي جَبَلٍ قَفْطَانَ. فَقَالَ طُوبيا: أَسْأَلُكَ أَنْ تَتَصَبَّرَ إِلَى أَنْ أُخْبِرَ أَبَي بِهَذِهِ الْأُمُورِ. وَحِينَئِذٍ دَخَلَ طُوبِيا وَأَخْبَرَ أَبَاهُ بِكُلِّ مَا كَانَ فَتَعَجَّبَ مِنْ ذَلِكَ. وَطَلَبَ أَنْ يَدْخُلَ ذَلِكَ الشَّابُ إِلَى حَضْرَتِهِ، فَدَخَلَ الشَّابُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ: لِيَكُنْ لَكَ فَرَحٌ دَائِمٌ. فَقَالَ طوبیتُ كَيْفَ يَكُونُ لِي فَرَحٌ وَأَنَا فِي الظُّلْمَةِ وَلَا أُبْصِرُ ضَوْءَ الشَّمْسِ فَأَجَابَ الشَّابُ لِيَكُنْ قَلْبُكَ قَوِيًّا، فَإِنَّكَ تَتَعَافَى قَرِيبًا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ طُوبِيتُ: هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تُوَصِّلَ ابْنِي إِلَى غَافَالَائِيلَ فِي رَاجِيسَ مَدِينَةِ الْمَادِيِّينَ، وَأَنَا عِنْدَ رُجُوعِكَ أَدْفَعُ لَكَ أُجْرَةً؟ فَقَالَ الْمَلَاكُ: أَنَا أَوَصِّلُهُ وَأَعُودُ بِهِ إِلَيْكَ سَالِمًا فَقَالَ طُوبِيتُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تُخْبِرَنِي، مِنْ أيّ قَبِيلَةٍ وَمِنْ أيّ سِبْطٍ أنْتَ؟ فَأَجَابَ الْمَلَاكُ رَافَائِيلُ: أَتَسْأَلُ أَنْتَ عَنْ جِنْسِ الْأَجِيرِ أَوْ عَنِ الْأَخِيرِ. أَلَيْسَ لَكَ الَّذِي يَمْضِي مَعَ ابْنِكَ. وَلَكِنْ لِئَلَّا يَهُمَّكَ شَيْءٌ، فَأَنَا عَازَارِيَّاسُ بْنُ حَنَنِيَّاسَ الْكَبِيرِ. فَقَالَ طُوبِيتُ: هَا أَنْتَ مِنْ بَيْتٍ كَبِيرٍ، فَأَسْأَلُكَ أنْ لَا يُغِيظَكَ أنّي أَرَدْتُ أنْ أعْرِفَ عَشِيرَتَكَ. فَقَالَ الْمَلَاكُ: أَنَا أَمْضِي مَعَ ابْنِكَ وَأعُودُ بِهِ إِلَيْكَ سَالِمًا فَأَجَابَهُ طُوبِيتُ قَائِلًا: إِذْهَبَا بِأَمْنٍ، وَلْيَكْنِ اللَّهُ حَافِظًا لَكُمَا فِي هَذَا السَّفَرِ، وَمَلَاكُهُ بِرِفْقَتِكُمَا وَلَمَّا أَعَدَّا كُلَّ مَا يَلْزَمُهُمَا فِي السَّفَرِ، وَدَّعَ طُوبيا أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَمَضَيَا كِلَاهُمَا مَعًا.
فَلَمَّا ذَهَبًا، طَفِقَتْ أُمُّ طُوبيا تَبْكِي وَتَقُولُ لِأَبِيهِ: قَدْ أَبْعَدْتَ عَنَّا عُكَازَ شَيْخُوخَتِنَا. لَا كَانَ أَبَدًا الْمَالُ الَّذِي غَرَّبْتَ ابْنَنَا لِأَجْلِهِ. فَإِنَّهُ كَانَ يَكْفِينَا أَنَّنَا مَعَ فَقْرِنَا، نَحْسَبُ أَنَّ لَنَا غِنِّى عَظِيمًا حِينَمَا نُبْصِرُ وَلَدَنَا. فَقَالَ طُوبِيتُ: لَا تَبْكِي سَالِمًا ذَهَبَ ابْنُنَا وَسَالِمًا يَعُودُ إِلَيْنَا وَتُبْصِرُهُ عَيْنَاكِ. فَإِنِّي أَحْسَبُ أَنَّ مَلَاكَ اللَّهِ الصَّالِحَ فِي رِفْقَتِهِ يُدَبِّرُ كُلَّ أَعْمَالِهِ فَيَرْجِعُ إِلَيْنَا مُعَافًى. وَإِذْ سَمِعَتْ هَذَا الْكَلَامَ تَرَكَتِ الْبُكَاءَ وَسَكَتَتْ.
وَسَارَ الْمَلَاكُ وَطُوبيا وَكَلْبُهُ يَتْبَعُهُ، فَبَاتَا أَوَّلَ مَنْزِلَةٍ بِجَانِبِ نَهْرِ الدِّجْلَةِ. وَخَرَجَ طُوبيا لِيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ، فَإِذَا سَمَكَةٌ كَبِيرَةٌ قَدْ طَلَعَتْ إِلَيْهِ كَأَنَّهَا تَطْلُبُ أَنْ تَبْتَلِعَهُ. فَارْتَعَبَ طُوبيا وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ يَا مَوْلاي، وَثَبَتْ إِلَيَّ سَمَكَةٌ لِتَبْتَلِعَنِي. فَقَالَ لَهُ الْمَلَاكُ: أَمْسِكَ بِهَا وَاجْذِبْهَا إِلَيْكَ، فَأَمْسَكَهَا وَجَذَبَهَا إِلَى الشَّاطِئِ وَتَرَكَهَا، فَصَارَتْ تَتَخَبَّطُ قُدَّامَ رِجْلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ الْمَلَاكُ شُقَ جَوْفَ السَّمَكَةِ وَأَخْرِجُ الْقَلْبَ وَالْمَرَارَةَ وَالْكَبِدَ وَخَبْئُهَا مَعَكَ. فَإِنَّ هَذِهِ تَنْفَعُ لِأَنْ تَكُونَ دَوَاءً فِي الضَّرُورَةِ. وَبَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ، أَخَذَ لَحْمَ السَّمَكَةِ وَشَوَاهُ وَمَلَّحَ مِنْهُ مِقْدَارًا يَكْفِيهِمَا إِلَى أَنْ يَصِلَا إِلَى رَاجِيسَ مَدِينَةِ الْمَادِيِّينَ. وَقَالَ طُوبيا لِلْمَلَاكِ: أَرْجُوكَ يَا أَخِي عَازَارِيَّاسُ أَنْ تُخْبِرَنِي: مَا هِيَ مَنْفَعَةُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَمَرْتَنِي أَنْ أُخَبِّئَهَا مِنَ السَّمَكَةِ؟ فَأَجَابَهُ الْمَلَاكُ قَائِلًا: أَمَّا الْقَلْبُ وَالْكَبِدُ فَإِنَّكَ إِذا أَخَذْتَ جُزْءًا مِنْهُمَا وَوَضَعْتَهُ عَلَى جَمْرٍ نَارٍ، فَدُخَانُهُ يَطْرُدُ كُلَّ شَيْطَانٍ مِنْ رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ وَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا، وَأَمَّا الْمَرَارَةُ فَإِنَّهَا إِذَا كَحَلْتَ بِهَا الْأَعْيُنَ الْفَاقِدَةَ الْبَصَرَ فَتَبْرَأُ.
القِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ سِفر طوبيا (٦: ۱۰-۹۰۸،۷)
ثُمَّ قَالَ طُوبيا لِلْمَلَاكِ تُرَى أَيْنَ نَبيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ الْمَلَاكُ: يُوجَدُ فِي مكَانٍ قَرِيبٍ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ قَبِيلَتِكَ اسْمُهُ رَاعُوئِيلُ وَلَهُ ابْنَةٌ وَحِيدَةٌ اسْمُهَا سَارَّةُ. فَسَأَتَكَلَّمُ مَعَ أَبِيهَا لِيُعْطِيَهَا لَكَ زَوْجَةً لِأَنَّكَ أَنْتَ الْوَحِيدُ مِنْ قَبِيلَتِهَا وَهَيَ جَيِّدَةٌ وَعَاقِلَةٌ جِدًّا. وَيَكُونُ إِذَا تَزَوَّجْتَ بِابْنَتِهِ أَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ مَالِهِ لَكَ. وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ نَجْعَلَ مَبِيتَنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ عِنْدَهُ، وَأَنْتَ تَخْطُبُ ابْنَتَهُ مِنْهُ فَيُعْطِيهَا لَكَ زَوْجَةً.
فَقَالَ طُوبيا: سَمِعْتُ أَنَّ سَبْعَةَ رِجَالٍ تَزَوَّجُوا بِهَا، فَكَانَ الْشَّيْطَانُ يَقْتُلُ كُلَّا مِنْهُمْ عِنْدَ دُخُولِهِ عَلَيْهَا فَهَلَكُوا جَمِيعًا. فَأَخَافُ أَنْ يَتِمَّ عَلَيَّ مَا جَرَى عَلَى أُولَئِكَ السَّبْعَةِ، وَأَنَا ابْنٌ وَحِيدٌ لِوَالِدَيَّ، وَهُمَا فِي كِبَرِ شَيْخُوخَتِهِمَا، فَأَخْشَى أَنْ أَحْدِرَهُمَا إِلَى الْقَبْرِ بِالْحُزْنِ، وَلَيْسَ لَهُمَا وَلَدٌ غَيْرِي يَدْفِنُهُمَا.
فَأَجَابَهُ الْمَلَاكُ: أَلَا تَذْكُرُ وَصِيَّةَ أَبِيكَ، وَقَوْلَهُ لَكَ لَا تَتَّخِذْ لَكَ امْرَأَةً مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكَ؟ وَالْآنَ اقْبَلْ مِنِّي يَا أَخِي، فَإِنَّهَا قَدْ حُفِظَتْ لِتَكُونَ زَوْجَةً لَكَ، وَلَا يَهُمُكَ أَمْرُ الشَّيْطَانِ. وَأَنَا أُخْبِرُكَ مَنْ هُمُ الَّذِينَ يَقْدِرُ عَلَيْهِم الشَّيْطَانُ هُمُ الَّذِينَ يَتَزَوَّجُونَ بِهَذِهِ لِيُبْعِدُوا اللَّهَ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَيَتَلَذَّذُوا بِشَهَوَاتِهِمْ كَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ اللَّذَيْنِ لَا فَهُمَ لَهُمَا فَعَلَى هَؤُلَاءِ يَقْدِرُ الشَّيْطَانُ وَأَمَّا أَنْتَ إِذَا تَزَوَّجْتَ بِهَا وَدَخَلْتَ عَلَيْهَا ، فَتَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا تَهْتَمَّ بِشَيْءٍ آخَرَ إِلَّا بِالْصَّلَاةِ وَفِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى تُحْرِقُ كَبِدَ السَّمَكَةِ وَقَلْبَهَا فَيَنْهَزِمُ الشَّيْطَانُ مُرْتَعِدًا . وَفِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ تَقْتَرِبُ مِنِ امْرَأَتِكَ عَلَى مَا كَانَ الْآبَاءِ الْقِدِيسُونَ. وَفِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ تَقْبَلُ الْبَرَكَةَ بِالْبَنِينَ فَيَكُونُ مِنْكُمَا أَوْلَادُ السَّلَامِ. وَبَعْدَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ تُعْطَى الْبِكْرَ بِخَوْفِ الرَّبِّ لِلتَّبَنِّي لَا بِسَبَبِ الشَّهْوَةِ، لِتَقْبَلَ الْبَرَكَةَ بِالْأَوْلَادِ فِي زَرْعٍ إِبْرَاهِيمَ، فَتَعَلَّقَ قَلب طوبيا بِسَارَّةَ حِينَئِذٍ لَمَّا سَمِعَ عَنْهَا، وَلَمْ يَزَالَا سَائِرَيْنِ حَتَّى وَصَلَا إلَى أَكْفَاتْيَا.
وَسَارًا إِلَى بَيْتِ رَاعُوئِيلَ، فَالْتَقَتْهُمَا سَارَّةُ وَسَلَّمَتْ عَلَيْهِمَا وَلَمَّا نَظَرَ رَاعُوئِيلُ إلى طوبيا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أنظري، مَا أَشْبَه هَذَا الرَّجُلَ بِطُوبِيتَ ابْنِ عَمِي. وَبَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمَا رَاعُوئِيلُ مِنْ أيْنَ أَنْتُمَا أَيُّهَا الشَّابَّانِ الْأَخْوَانِ. فَقَالَ: مِنْ سَبْي نِينَوَى، مِنْ قَبِيلَةِ نَفْتَالِيمَ. فَقَالَ لَهُمَا: هَلْ تَعْرِفَانِ أَخَانَا طُوبِيتَ؟ فَقَالا: نَعْرِفُهُ. وَإِذْ كَانَ قَدْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ الْمَلَاكُ مُشِيرًا إلَى طُوبيا: هَذَا ابْنُ طُوبِيتَ الَّذِي تَذْكُرُهُ. فَأَلْقَى رَاعُوئِيلُ بِنَفْسِهِ عَلَيْهِ وَقَبَّلَهُ بِدُمُوعِ وَبَكَى عَلَى عُنُقِهِ. قَائِلًا: الْبَرَكَةُ تَكُونُ لَكَ يَا ابْنِي لِأَنَّكَ ابْنُ رَجُلٍ مِنْ ذَوِي الْجُودَةِ وَالْخَيْرِ. وَلَمَّا سَمِعَ بِأَنَّ طُوبِيتَ ذَهَبَ بَصَرُهُ حَزِنَ كَثِيرًا وَبَكَى مَعَ امْرَأَتِهِ وَابْنَتِهِ سَارَّةَ، وَقَبِلُوا الْمَلَاكَ وَطُوبيا بِكُلِّ سرور.
وَبَعْدَ ذَلِكَ أَمَرَ رَاعُوئِيلُ بِذَبْحٍ كَبْشٍ وَأَنْ يُهَيِّئُوا طَعَامًا فَلَمَّا سَأَلَهُمَا أَنْ يَجْلِسَا عَلَى الطَّعامِ، قَالَ طوبيا ما أكُلُ الْيَوْمَ طَعَامًا هَهُنَا وَلَا أَشْرَبُ إِلَّا أَنْ تُجِيبَ سُؤَالِي وَتَعِدَنِي أَنْ تُعْطِيَنِي سَارَّةُ ابْنَتَكَ. فَلَمَّا سَمِعَ رَاعُوئِيلُ هَذَا الْحَدِيثَ خَافَ، لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَ السَّبْعَةَ الرِّجَالَ الَّذِينَ خَطَبُوا ابْنَتَهُ فَخَافَ أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ، وَفِيمَا هُوَ مُفَكِّرٌ وَلَمْ يُجَاوِبُ. قَالَ لَهُ الْمَلَاكُ: لَا تَخَفْ مِنْ أَنْ تُعْطِيَهُ إِيَّاهَا، لِأَنَّ ابْنَتَكَ مَحْفُوظَةٌ لِهَذَا الْخَائِفِ مِنَ اللَّهِ، وَكِلَاهُمَا مَحْفُوظَانِ مِنَ اللَّهِ، وَلِأَجْلِ هَذَا مَا قَدَرَ غَيْرُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا حِينَئِذٍ قَالَ رَاعُوئِيلُ: لَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ قَبِلَ صَلَوَاتِي وَدُمُوعِي وَأَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ هَدَاكُمَا اللَّهُ إِلَيَّ، حَتَّى تَقْتَرِنَ هَذِهِ بِجِنْسِهَا كَنَامُوسِ مُوسَى، وَالآنَ لا شَكَّ أنِّي أُسَلِمُهَا لَكَ. فَأَخَذَ يَدَ ابْنَتِهِ سَارَّةَ وَسَلَّمَهَا إِلَى يَدِ طُوبيا قَائِلًا: إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ يَكُونُ مَعَكُمَا، وَهُوَ يَجْمَعُكُمَا وَيُكَمِّلُ بَرَكَتَهُ فِيكُمَا.
وَأَخَذَ قِرْطَاسًا وَكَتَبَ فِيهِ كِتَابَ الزِّيجَةِ وَخَتَمَهُ. وَابْتَدَأُوا يَأْكُلُونَ شَاكِرِينَ الرَّبَّ. فَدَعَا رَاعُوئِيلُ امْرَأَتَهُ وَأَمَرَهَا أَنْ تُهَيِّئَ لَهُمَا مَضْجَعًا آخَرَ وَتُدْخِلَ سَارَّةَ فِيهِ. فَفَعَلَتْ كَمَا أَمَرَهَا وَأَدْخَلَتْهَا إِلَى هُنَاكَ وَبَكَتْ وَمَسَحَتْ دُمُوعَ ابْنَتِهَا وَقَالَتْ لَهَا: ثِقِي يَا بُنَيَّةً، فَإِنَّ رَبَّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَمْنَحُكِ نِعْمَةً عِوَضَ حُزْنِكِ هَذَا فَتَشَجَّعِي.
وَلَمَّا تَعَشَّوْا دَخَلَ عَلَيْهَا الشَّابُ. فَتَذَكَّرَ طُوبيا كَلَامَ الْمَلَاكِ، وَأَخْرَجَ مِنْ كِيسِهِ من الْكَبِدِ وَالْقَلْبِ وَطَرَحَهُ عَلَى الْجَمْرِ وَدَخَّنَ بِهِمَا وَلَمَّا اسْتَنَشَقَ الشَّيْطَانُ الرَّائِحَةَ، هَرَبَ إِلَى بَرِّيَّةِ مِصْرَ الْفَوْقَانِيَّةِ فَرَبَطَهُ الْمَلَاكُ. وَلَمَّا اخْتَلَيَا كِلَاهُمَا، نَهَضَ طُوبَيَا مِنْ فِرَاشِهِ وَقَالَ: قُومِي يَا أُخْتِي نُصَلِّي لِلَّهِ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ. لِأَنْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ لَيَالٍ نَقْتَرِنُ بِاللَّهِ وَبَعْدَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ نَكُونُ فِي زِيْجَتِنَا، فَإِنَّنَا أَوْلَادُ الْقِدِيسِينَ وَمَا نَقْدِرُ أَنْ نَتَزَوَّجَ مِثْلَ الْأُمَمِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ فَقَامَا كِلَاهُمَا وَصَلَّيَا بِحَرَارَةٍ لِكَيْ يُعْطَيَا الْبَرَكَةَ. فَقَالَ طُوبيا: مُبَارَكٌ هُوَ اللهُ إِلَهُ آبَائِنَا، وَمُبَارَكٌ اِسْمُهُ الْقُدُّوسُ والْمُمَجَّدُ إِلَى الدُّهُورِ. يُبَارِكُكَ السَّمَاوِيُّونَ وَكُلُّ خَلَائِقِكَ. أَنْتَ جَبَلْتَ آدَمَ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ وَأَعْطَيْتَهُ حَوَّاءَ عَوْنًا لَهُ، وَمِنْهُمَا وُلِدَ كُلُّ زَرْعِ الْبَشَرِ. أَنْتَ قُلْتَ لَيْسَ بِجَيْدٍ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ، فَلْنَصْنَعَنَّ لَهُ مُعِينًا عَلَى شَبَهِهِ. وَالْآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي مَا أَخَذْتُ أُخْتِي هَذِهِ زَوْجَةً بِسَبَبِ لَذَّةٍ، بَلْ لِمَحَبَّتِي لِلْأَوْلَادِ الَّذِينَ بِهِمْ يَتَبَارَكَ اسْمُكَ إِلَى دَهْرِ الدَّاهِرِينَ. وَقَالَ فِي نَفْسِهِ آمِين أَمَّا سَارَّةُ فَقَالَتْ: ارْحَمْنَا يَا رَبُّ حَتَّى نَشِيخَ كِلَانَا فِي عَافِيَةٍ.
فَلَمَّا صَارَ قُرْبُ صِيَاحِ الدِّيكِ أَمَرَ رَاعُوئِيلُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَأْتُوا إِلَيْهِ، فَمَضَوْا مَعَهُ حَتَّى يَحْفُرُوا قَبْرًا. لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَرَى عَلَى طُوبِيا كَمَا جَرَى عَلَى السَّبْعَةِ عِنْدَ دُخُولِهِمْ عَلَى ابْنَتِهِ. فَلَمَّا هَيَّأْوا قَبْرًا، رَجَعَ رَاعُوئِيلُ إِلَى امْرَأَتِهِ وَقَالَ لَهَا: إِبْعَثَي إِحْدَى الْجَوَارِي حَتَّى تَرَى إِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ حَتَّى نَدْفِنَهُ قَبْلَ الصَّبَاحِ وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ بِذَلِكَ فَأَنْفَذَتْ إِحْدَى جَوَارِيهَا، فَلَمَّا فَتَحَتِ الْبَابَ وَعَبَرَتْ عَلَيْهِمَا، رَأَتْهُمَا سَالِمَيْنِ نَائِمَيْنِ مَعًا فَخَرَجَتْ وَأَعْلَمَتْهُمَا أَنَّهُ بَاقٍ حَيًّا.
فَبَارَكَ اللَّهَ رَاعُوئِيلُ وَامْرَأَتُهُ. قَائِلًا: مُبَارَكٌ أَنتَ يَا اللَّهُ بِكُلِّ بَرَكَةٍ مُقَدَّسَةٍ. وَلْتُبَارِككَ جَمِيعُ قِدِيسِيكَ وَكُلُّ مَخْلُوقَاتِكَ وَكُلُّ مَلَائِكَتَكَ وَمُخْتَارِيكَ فَلْيُبَارِكُوكَ إِلَى كُلِّ الأَدْهَارِ مُبَارَكٌ أَنْتَ لِأَنَّكَ أَبْهَجْتَنِي وَلَمْ يُصِبْنِي كَمَا ظَنَنْتُ، لَكِنْ حَسَبَ رَحْمَتِكَ الْكَثِيرَةِ فَعَلْتَ مَعَنَا مُبَارَكٌ أَنتَ لأَنَّكَ رَحِمْتَ وَحِيدَيْنِ فَاصْنَعْ مَعَهُمَا يَا رَبُّ رَحْمَةً بِأَنْ تُتِمَّ حَيَاتَهُمَا بِعَافِيَةٍ وَابْتِهَاجِ. وَلِلْوَقْتِ أَمَرَ رَاعُوئِيلُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَرْدِمُوا الْقَبْرَ بِالْتُرَابِ الَّذِي اسْتَخْرَجُوهُ قَبْلَ الصَّبَاحِ. ثُمَّ إِنَّهُ صَنَعَ لَهُمَا عُرْسًا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَذَبَحَ بَقَرَتَيْنِ سَمِينَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ كِبَاشٍ، وَهَيَّأَ وَلِيمَةً لِكُلِّ جِيرَانِهِمْ وَأَصْدِقَائِهِمْ. وَإِسْتَحْلَفَ رَاعُوثِيلُ طوبيا أنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَيَّامِ الْعُرْسِ. ثُمَّ إِنَّهُ أَعْطَى طُوبيا نِصْفَ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى أَبِيهِ مُعَافًى وَأَعْطَاهُ وَثِيقَةً أَنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ يَكُونُ لَهُ.
ثُمَّ اسْتَدْعَى طوبيا رَافَائِيلَ الَّذِي كَانَ يَظُنُّ أنَّهُ إِنْسَانٌ وَقَالَ لَهُ: يَا أَخِي عَازَارِيَاسُ، أَسَأَلُكَ أَنْ تَسْمَعَ كَلَامِي. إِنِّي أَجْعَلُ نَفْسِي فِي عُبُودِيَّتِكَ لِأَنِّي لَسْتُ مُسْتَأْهِلَّا لِتَدْبِيرِكَ وَإحْسَانِكَ الَّذِي صَنَعْتَ مَعِي وَلَكِنْ أَسْأَلُكَ أَنْ تَأْخُذَ دَوَابٌ وَغِلْمَانًا وَتُسَافِرَ إِلَى غَافَالَائِيلَ فِي رَاجِيسَ مَدِينَةِ الْمَادِيِّينَ وَرُدَّ لَهُ وَثِيقَتَهُ وَخُذُ مِنْهُ الْوَزَنَاتِ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ إِلَى الْعُرْسِ لأَنَّكَ أَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ أَبِي يَعُدُّ الْأَيَّامَ ، فَإِنْ كُنْتُ أَبْقَى زِيَادَةً عَلَيْهَا تَحْزَنُ نَفْسُهُ جِدًّا وَأَنْتَ تَعْرِفُ كَيْفَ اسْتَحْلَفَنِي رَاعُوئِيلُ: أَنْ لَا أَخْرُجَ وَلَا يَجُوزُ لِي أَنْ أُخْلِفَ الْقَسَمَ حِينَئِذٍ أَخَذَ رَافَائِيلُ مِنْ غِلْمَانِ رَاعُوئِيلَ أَرْبَعَةً وَجَمَلَيْنِ وَسَافَرَ إِلَى رَاجِيسَ مَدِينَةِ الْمَادِيِّينَ ، فَوَجَدَ غَافَالَائِيلَ ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْوَثِيقَةَ وَاسْتَوْفَى مِنْهُ الْمَالَ كُلَّهُ وَعَرَّفَهُ أَمْرَ طُوبيا بْنِ طُوبِيتَ وَكُلَّ مَا تَمَّ لَهُ ، وَأَحْضَرَهُ مَعَهُ إِلَى عُرْسِهِ.
فَلَمَّا دَخَلَ إِلَى بَيْتِ رَاعُوئِيلَ ، لَقِيَ طُوبيا مُتَّكِئًا ، فَنَهَضَ قَائِمًا وَقَبَّلَا بَعْضُهُمَا بَعْضًا فَبَكَى غَافَالَائِيلُ وَبَارَكَ اللَّه وَقَالَ: يُبَارِكُ عَلَيْكَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ ، لأَنَّكَ ابْنُ رَجُلٍ صَالِحٍ بَارٍ يَخَافُ اللَّهَ وَيَتَصَدَّقُ ، وَقَالَ: الْبَرَكَةُ عَلَى زَوْجَتِكَ وَعَلَى وَالِدَيْكُمَا وَيَهَبُ لَكُمَا الرَّبُّ أَنْ تُبْصِرَا أَوْلَادَكُمَا وَأَوْلَادَ أَوْلَادِكُمَا إِلَى ثَلَاثَةِ وَأَرْبَعَةِ أَجْيَالِ ، وَيُبَارِكُ نَسْلَكُمَا إِلَهُ إِسْرَائِيلَ الْمَالِكُ إِلَى دَهْرِ الدَّاهِرِينَ. فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الْكَلَامِ تَقَدَّمُوا جَمِيعُهُمْ إِلَى الطَّعَامِ وَأَكَلُوا مُوَاظِبينَ عَلَى الْعُرْسِ كُلِّهِ بِمَخَافَةِ الرب.
القسم الخامس من سفر طوبيا (۱۰، ۱۱)
وَكَانَ طوبيا قَدْ تَأَخَّرَ هُنَاكَ بِسَبَبِ الْعُرْسِ، فَقلِق أَبُوهُ طُوبِيتُ وَقَالَ: لِمَاذَا تَأَخَّرَ ابْنِي، وَبِأَيِّ سَبَبٍ ظَلَّ مَمْسُوكًا، لَعَلْ غَافَالائِيلَ قَدْ مَاتَ وَلَيْسَ مَنْ يَرُدُّ لَهُ الْوَزَنَاتِ. وَكَانَ حَزِينًا جدًا هُوَ وَحَنَةُ امْرَأَتُهُ ، وَكَانَا يَبْكِيَانِ كِلَاهُمَا لِأَنَّ ابْنَهُمَا لَمْ يَرْجِعْ فِي الْيَوْمِ الْمُعَيْنِ لَهُمَا وَكَانَتْ أُمُّهُ تَبْكِي بِدُمُوعِ غَزِيرَةٍ وَتَقُولُ: الْوَيْلُ لِي يَا ابني ، لأي سَبَبٍ أَرْسَلْنَاكَ وَتَرَكْنَاكَ يَا نُورَ عَيني وَعَصَا شَيْخُوخَتِنَا وَرَجَاءَ نَسْلِنَا لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ كَانَ لَنَا فِيكَ وَحْدَكَ يَا وَلَدِي ، فَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نُبْعِدَكَ عَنَّا وَكَانَ طوبيتُ يَقُولُ لَهَا : أَسْكُتِي وَلَا تَحْزَنِي لأَنَّ ابْنَنَا فِي عَافِيَةٍ ، وَالرَّجُلُ الَّذِي أَنْفَذْنَاهُ مَعَهُ أَمِينٌ أَمَّا هِيَ فَمَا كَانَتْ لِتَتَعَزَّى ، وَكَانَتْ كُلَّ يَوْمٍ تَنْهَضُ وَتَنْظُرُ إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي ذَهَبًا مِنْهَا ، وَكَانَتْ تَظُنُّ أَنَّ ابْنَهَا يَرْجِعُ مِنْهَا لَعَلَّهَا تَرَاهُ عَنْ بُعْدِ آتِيًا. وَكَانَتْ فِي النَّهَارِ لَا تَذُوقُ خُبْزًا. وَفِي اللَّيْلِ تَسْهَرُ نَادِبَةً ابْنَهَا طُوبيا حَتَّى انْتَهَتِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَيَّامُ الْعُرْسِ.
ثُمَّ إِنَّ رَاعُونِيلَ قَالَ لِصِهْرهِ طُوبيا: أمْكُثْ هَهُنَا وَأَنَا أَنْفِذُ رَسُولًا إِلَى طُوبيت أَبِيكَ لِيُخْبِرَهُ بِسَلَامَتِكَ. فَقَالَ لَهُ طُوبيا: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ وَالِدَيَّ يَعِدَّانِ الْأَيَّامَ وَتَحْزَنُ أَرْوَاحُهُمَا، فَأَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تُرْسِلَنِي إِلَى أَبِي فَنَهَضَ رَاعُوئِيلُ وَأَعْطَاهُ سَارَّةَ امْرَأَتَهُ وَنِصْفَ مَا كَانَ يَمْلِكُ، مِنْ مَمَالِيكَ، وَمِنْ جَوَارٍ، وَمِنْ مَوَاشٍ، وَمِنْ إِبْلٍ، وَمِنْ بَقَرٍ، وَمِنْ مَالٍ وَأَرْسَلَهُ سَالِمًا فَرْحَانًا وَبَارَكَهُ، قَائِلًا: مَلَاكُ الرَّبِّ الْقُدُّوسِ يُرَافِقُكُمَا وَيُوصِلُكُمَا بِعَافِيَةٍ. وَيَمْنَحْكُمَا إِلَهُ السَّمَاءِ أَولَادًا وَتُبْصِرُهُمْ عَيْنَايَ قَبْلَ مَمَاتِي. وَأَخَذَ مَعَهُ امْرَأَتَهُ ابْنَتَهُمَا وَقَبَّلَاهَا وَوَدَّعَاهُمَا ، وَوَصَّيَا سَارَّةَ ابْنَتَهُمَا قَائِلَيْنِ : أَكْرِمِي حَمَوَيْكِ ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ وَالِدَيْكِ ، وَأَحِبّي زَوْجَكِ وَدَبِرِي غِلْمَانَكَ وَبَيْتَكِ وَاجْعَلِي نَفْسَكِ بِلَا لَوْمٍ وَقَالَتِ امْرَأَتُهُ لِطُوبيا: يَا ابْنِي الْمَحْبُوبُ ، فَلْيُثبِّتْ أُمُورَكَ رَبُّ السَّمَاءِ ، وَلِيُعْطِنِي أَنْ أَرَى لَكَ أَوْلَادًا مِنْ سَارَّةَ ابْنَتِي لِأَبْتَهِجَ أَمَامَ الرَّبِّ ، وَهَا إِنِّي أُسَلِّمُكَ ابْنَتِي فَلَا تُحْزِنُهَا وَبَعْدَ هَذَا سَارَ طُوبيا مُبَارَكًا اللَّهَ لِأَنَّهُ سَهَّلَ طَرِيقَهُ.
وَمَا زَالَا سَائِرَيْنِ حَتَّى قَرُبَا مِنْ مَدِينَةٍ نِينَوَى. فَقَالَ الْمَلَاكُ: يَا أَخِي طُوبيا، أَنْتَ تَعْلَمُ فِي أَي حَالٍ تَرَكْتَ أَبَاكَ. فَهَلْ تُرِيدُ أنْ نَتَقَدَّمَ وَنَسْبِقَ نَحْنُ، وَالْجَمَاعَةُ مَعَ زَوْجَتِكَ يَلْحَقُونَنَا عَلَى مَهْلٍ، وَالْمَوَاشِي مَعَهُمْ؟ فَلَمَّا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ رَافَائِيلُ الْمَلَاكُ لِطُوبيا: خُذْ مَعَكَ مِنْ مَرَارَةِ الْحُوتِ لأَنَّ لَنَا بِهَا حَاجَةً، فَأَخَذَ طُوبيا مِنَ الْمَرَارَةِ وَسَافَرَ، وَالْكَلْبُ وَرَاءَهُمَا وَأَمَّا حَنَّهُ أُمُّ طوبيا فَكَانَتْ كُلَّ يَوْمٍ تَجْلِسُ فِي الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ فِي مَوْضِعٍ كَانَتْ تَنْظُرُ مِنْهُ عَلَى بُعْدٍ. فَبَيْنَمَا كَانَتْ ذَاتَ يَوْمٍ تَنْظُرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، أَبْصَرَتْ مِنْ بُعْدٍ، فَعَرَفَتْ أَنَّ ابْنَهَا قَادِمٌ فَأَسْرَعَتْ تُبَشِّرُ زَوْجَهَا قَائِلَةً: هُوَذَا ابْنُكَ قَادِمٌ.
فَقَالَ رَافَائِيلُ لِطُوبيا: عِنْدَمَا تَصِلُ إِلَى بَيْتِكَ مِنْ سَاعَتِكَ اسْجُدُ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ وَاشْكُرْهُ وَتَقَدَّمْ إِلَى أَبِيكَ فَقَبِّلْهُ. وَاطْلِ عَيْنَيْهِ بِالْمَرَارَةِ الَّتِي مَعَكَ مِنَ السَّمَكَةِ، فَلِلْوَقْتِ تَنْفَتِحُ عَيْنَاهُ وَيَرَى ضَوْءَ السَّمَاءِ وَيَفْرَحُ بِرُؤْيَتِكَ.
حِينَئِذٍ سَبَقَ الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ يَتْبَعُهُمَا فِي الطَّرِيقِ، وَكَانَ مِثْلَ رَسُولٍ قَدْ أَتَى يُبَشِّرُ وَهُوَ يُحَرِّكُ ذَيْلَهُ مُبَشِّرًا بِالْفَرح. فَقَامَ الْوَالِدُ وَهُوَ أَعْمَى وَبَدَأَ يَجْرِي وَهُوَ يَتَعَثَّرُ بِرِجْلَيْهِ فِي مَشْيِهِ، فَنَاوَلَ يَدَهُ لِصَبِيّ يَقُودُهُ وَخَرَجَ لِيَلْتَقِي بِوَلَدِهِ. فَبَادَرَ إِلَيْهِ ابْنُهُ وَقَبَّلَهُ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَجَعَلَا يَبْكِيَانِ كِلَاهُمَا مِنَ الْفَرَح وَبَعْدَ مَا سَجَدُوا لِلَّهِ وَشَكَرُوهُ جَلَسُوا.
ثُمَّ أَخَذَ طُوبيا مِنْ مَرَارَةِ السَّمَكَةِ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ وَطَلَى بِهَا عَيْنَيْ وَالِدِهِ. وَبَعْدَ مقْدَارٍ نِصْفِ سَاعَةٍ صَارَ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ قِشْرَةٌ رَقِيقَةٌ مِثْلُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَيْضَةِ. فَأَخَذَهَا طُوبيا وَسَحَبَهَا مِنْ عَيْنَيْهِ، فَلِلْوَقْتِ ارْتَدَّ بَصَرُهُ. وَمَجَّدُوا اللَّهَ هُوَ وَعَشِيرَتُهُ وَكُلُّ مَنْ يَعْرِفُهُ وَبَكَى طُوبِيتُ وَقَالَ: تَبَارَكَ اللهُ وَتَمَجَّدَ اسْمُهُ إِلَى الدُّهُورِ. وَتَبَارَكَتْ جَمِيعُ قِدِيسِيكَ وَمَلَائِكَتِكَ لِأَنَّكَ أَدَّبْتَنِي وَرَحِمْتَنِي وَشَفَيْتَنِي، وَهَا أَنَا أُبْصِرُ وَلَدِي طوبيا.
وَأَمَّا سَارَةُ امْرَأَةُ طوبيا فَوَصَلَتْ بَعْدَ أَيَّامٍ هِيَ وَرفَاقُهَا كُلُّهُمْ بِالْغَنَمِ وَالْجِمَالِ وَالْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي لَهَا وَزِيَادَةِ الْمَالِ الَّذِي كَانَ قَدْ اسْتَوفَاهُ مِنْ غَافَالَائِيلَ فَدَخَلَ طوبيا إلَى أَبِيهِ فَرحًا، وَحَدَّثَهُ بِجَمِيعِ الْعَظَائِمِ الَّتِي فَعَلَهَا اللَّهُ مَعَهُ عَلَى يَدِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي أَخَذَهُ وَرَدَّهُ. فَخَرَجَ طُوبِيتُ لِمُلَاقَاةِ عَرُوسِ ابْنِهِ فَرحًا وَمُمَجِدًا اللَّهَ إِلَى بَابِ نِينَوَى، فَتَعَجَّبَ الَّذِينَ نَظَرُوهُ سَائِرًا كَيْفَ أَبْصَرَ وَطُوبِيتُ نَادَى أَمَامَ جَمِيعِهِمْ: أَنَّ اللَّهَ صَنَعَ مَعَهُ رَحْمَةً، وَلَمَّا قَرُبَ إِلَى سَارَّةَ كَنَّتِهِ بَارَكَهَا قَائِلًا: بَادِرِي مُعَافَاةً يَا ابْنَتِي، تَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي أَحْضَرَكِ إِلَيْنَا.
وَكَانَ فَرَحٌ عَظِيمٌ لِجَمِيعِ الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِي نِينَوَى وَجَاءَ أَحْيُورُ وَنَابَاطُ نَسِيبَا طُوبِيتَ إِلَى بَيْتِهِ وَفَرحَا لَهُ بِجَمِيعِ الْخَيْرَاتِ الَّتِي صَنَعَهَا اللَّهُ لَهُ. وَتَجَدَّدَ عُرْسُ طُوبيا بِكُلِّ سُرُورٍ إِلَى تَمَامِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ.
القِسْمُ السَّادِسُ من سفر طوبيا (۱۲، ۱۳، ١٤)
حِينَئِذٍ هَتَفَ طُوبِيتُ بِابْنِهِ وَقَالَ لَهُ: أَنْظُرْ أَجْرَةَ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَتَى مَعَكَ لِتُوفِيَهُ إِيَّاهَا. فَأَجَابَ طُوبِيتَ قَائِلًا: يَا أَبَتَاهُ أَيَّ أَجْرَةٍ نُعْطِيهِ أَوْ بِأَيِّ شَيْءٍ نَقْدِرُ أَنْ نُكَافِئَ إِحْسَانَهُ أَوْصَلَنِي وَرَجَعَ إِلَي جَانِبِي بِعَافِيَةٍ، وَالْمَالُ هُوَ اسْتَوْفَاهُ مِنْ عِنْدِ غَافَالَائِيلَ، وَهُوَ حَصَّلَ لِي هَذِهِ الزَّوْجَةَ، وَهُوَ قَمَعَ عَنْهَا الشَّيْطَانَ وَفَرَّحَ وَالِدَيْهَا، وَهُوَ خَلَّصَنِي مِنَ السَّمَكَةِ حَتَّى لَا تَبْتَلِعَنِي. وَهُوَ أَيْضًا أَعَادَ إِلَيْكَ نَظَرَكَ، وَامْتَلَانَا عَلَى يَدِهِ مِنْ جَمِيعِ الْخَيْرَاتِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ نَقْدِرُ أَنْ نُكَافِئَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَمِيعِهَا. لَكِنْ يَا أَبِي أُرِيدُ مِنْكَ أَنْ تَسْأَلَهُ: هَلْ يَرْضَى أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْخَيْرَاتِ الَّتِي أَتَيْنَا بِهَا. فَقَالَ الشَّيْخُ: يَسْتَحِقُ هَذَا. ثُمَّ دَعَا طُوبِيتُ الْمَلَاكَ وَقَالَ لَهُ: خُذْ نِصْفَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَحْضَرْتُمُوهَا وَاذْهَبْ مُعَافًى.
حِينَئِذٍ دَعَاهُمَا الْمَلَاكُ خِفْيَةً وَقَالَ لَهُمَا: بَاركَا اللَّهَ وَاعْتَرِفًا لَهُ وَأَعْطِيَا لَهُ التَّعْظِيمَ، وَاعْتَرفًا أَمَامَ جَمِيعِ الْأَحْيَاءِ بِكُلِّ مَا صَنَعَ مَعَكُمَا. صَالِحٌ هُوَ التَّسْبِيحُ لِلَّهِ وَإِعْلَاءُ اسْمِهِ الْأَعْظَمِ، وَأَظْهِرَا بأقوالِكُمَا أَعْمَالَ اللهِ وَلَا تَتَهَامَلَا بِأَنْ تَعْتَرِفًا لَهُ. إِنَّ سِرَّ الْمَلِكِ حَسَنٌ أَنْ يُخْفَى، أَمَّا أَعْمَالُ اللهِ فَتَتَمَجَّدُ بِأَنْ تُكْشَفَ إِصْنَعَا الصَّلَاحَ فَلَا يَلْقَاكُمَا شَرٌّ. صَالِحَةٌ هِيَ الصَّلَاةُ مَعَ الصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَالاسْتِقَامَةِ. جَيْدٌ هُوَ الْقَلِيلُ مَعَ الاسْتِقَامَةِ، مِنَ الْكَثِيرِ مَعَ الظُّلْم جَيْدٌ هُوَ أنْ تَصْنَعَ صَدَقَةً، مِنْ أَنْ تَكْنِزَ ذَهَبًا: لأَنَّ الصَّدَقَةَ تُنَجِّي مِنَ الْمَوْتِ، وَهِيَ تُطَهِّرُ كُلَّ خَطِيَّةٍ. الصَّانِعُونَ الصَّدَقَاتِ وَالاسْتِقَامَةَ يَمْتَلِئُونَ حَيَاةً. وَأَمَّا الْفَاعِلُونَ الْخَطِيَّة وَالْإِثْمَ فَهُمْ أَعْدَاءُ أَنْفُسِهِمْ وَمُحَارِبُو ذَوَاتِهِمْ.
أَمَّا أَنَا فَسَأَظْهِرُ لَكُمَا الصَّحِيحَ وَلَا أُخْفِي عَلَيْكُمَا كَلِمَةً مِنَ الْحَدِيثِ الْمَكْتُومِ. وَالْآنَ لَمَّا كُنتَ تُصَلِّي أَنْتَ وَسَارَّةُ كَنَّتُكَ، أَنَا قَدَّمْتُ ذِكْرَ صَلَوَاتِكُمَا أَمَامَ الرَّبِّ. وَحِينَمَا كُنْتَ تَدْفِنُ الْمَوْتَى كَذَلِكَ كُنْتُ مُرَافِقًا لَكَ. وَلِأَجْلِ أَنَّكَ مَقْبُولٌ لَدَى اللَّهِ، كَانَتْ هَذِهِ التَّجْرِبَةُ تَمْتَحِنُكَ، وَإذْ كُنتَ لَمْ تَنْسَ اللَّهَ وَلَمْ تَفْتُرْ عَنْ عَمَلِ الصَّدَقَاتِ كُنتُ مَعَكَ. وَالْآنَ أَنْفَذَنِي الرَّبُّ حَتَّى أَشْفِيَكَ أَنْتَ وَكَنَّتَكَ سَارَّةَ أَنَا هُوَ رَافَائِيلُ الْمَلَاكُ أَحَدُ السَّبْعَةِ الْوُقُوفِ أَمَامَ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ صَلَوَاتِ الْقِدِيسِينَ وَيَجُوزُونَ عَابِرِينَ أَمَامَ مَجْدِ الرَّبِّ.
فَلَمَّا سَمِعَا هَذِهِ الْأَقْوَالَ، ارْتَعَدَا كِلَاهُمَا وَوَقَعَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا خَافَا فَقَالَ لَهُمَا الْمَلَاكُ: لَا تَخَافَا لِأَنَّ السَّلَامَ يَكُونُ لَكُمَا أَمَامَ اللَّهِ، فَبَارِكَاهُ إِلَى الدُّهُورِ: لِأَنَّكَ لَيْسَ بِنِعْمَتِي شُفِيتَ لَكِنْ بِإِرَادَةِ إِلَهِنَا لِهَذَا بَاركَاهُ إِلَى الْأَدْهَارِ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَيَّامِ كُنتُمَا تَلْمِسَانِي وَتَنْظُرَانِي، وَمَا كُنتُ أكُلُ وَلَا أَشْرَبُ، وَلَكِنْ كُنْتُمْ تَنْظُرُونَ ذَلِكَ رُؤْيَةً. وَالْآنَ اعْتَرِفَا لِلَّهِ لِأَنِّي صَاعِدٌ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، فَاكْتُبَا جَمِيعَ مَا تَمَّ لَكُمَا فِي کِتَابٍ.
فَنَهَضَا وَلَمْ يَعُودَا يَنْظُرَانِهِ أَيْضًا. وَاعْتَرَفًا بِأَعْمَالِ اللَّهِ الْعَظِيمَةِ وَالْعَجِيبَةِ، وَكَيْفَ ظَهَرَ لَهُمَا مَلَاكُ الرَّبِّ.
فَفَتَحَ طُوبِيتُ الشَّيْحُ فَمَهُ شَاكِرَا الرَّبَّ، وَقَالَ: مُبَارَكَ اللَّهُ الْحَيُّ وَإِلَى جَمِيعِ الدُّهُورِ مُلْكُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّبُ وَيَرْحَمُ وَيُحْدِرُ إِلَى الْجَحِيمِ، وَيُصْعِدُ مِنْهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَفْلِتُ مِنْ يَدِهِ.
اعْتَرِفُوا لِلرَّبِّ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسَبِّحُوهُ أَمَامَ جَمِيعِ الْأُمَمِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فَرَّقَنَا بَيْنَهُمْ. ارْفَعُوهُ أَمَامَ كُلَّ حَيّ، فَإِنَّهُ فَرَّقَكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَهُ حَتَّى تُخْبِرُوا بِأَعَاجِيبِهِ وَتُعَرِّفُوا أَنْ لَيْسَ إِلَهٌ ضَابِطُ الْكُلِّ إِلَّا هُوَ وَهُوَ أَدَّبَنَا لِأَجْلٍ ظُلْمِنَا وَآثَامِنَا وَأَيْضًا يَرْحَمُنَا وَيَجْمَعُنَا مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الْأُمَمِ الَّذِينَ شَتَّتَنَا بَيْنَهُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَرْجِعُونَ إِلَيْهِ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسَكُمْ تَسِيرُونَ أَمَامَهُ بِالْحَقِ. فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ إِلَيْكُمْ وَلَا يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْكُمْ وَتُعَايِنُونَ جَمِيعَ مَا يَصْنَعُ مَعَكُمْ وَتَعْتَرِفُونَ لَهُ بِكُلِّ أَفْوَاهِكُمْ وَتُبَارِكُونَ الرَّبَّ إِلَهَ الِاسْتِقَامَةِ وَتَرْفَعُونَ مَلِكَ الدُّهُورِ.
أَمَّا أَنَا فِي أَرْضِ سَبْيِي فَأَعْتَرَفُ لَهُ وَأَظْهِرُ فُوَّتَهُ وَعَظَمَتَهُ فِي الْأُمَمِ الْخَاطِئَةِ. فَارْجِعُوا الْآنَ يَا خُطَاةُ وَاصْنَعُوا الْبِرَّ وَالِاسْتِقَامَةَ أَمَامَ اللَّهِ، مَنْ يَعْلَمُ إِنْ كَانَ يَقْبَلُكُمْ وَيَصْنَعُ رَحْمَةً مَعَكُمْ. أَمَّا أَنَا فَأَرْفَعُ إِلَهِي وَنَفْسِي لِمَلِكِ السَّمَاءِ وَتَبْتَهِجُ بِعَظَمَتِهِ. هَلِّلُوا جَمِيعُكُمْ وَبَارِكُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ مُخْتَارِيهِ وَاعْتَرِفُوا فِي أُورُشَلِيمَ.
يَا أُورُشَلِيمُ الْمَدِينَةُ الْمُقَدَّسَةُ، إِنَّ الرَّبَّ أَدْبَكِ مِنْ أَجْلِ أَعْمَالِ أَبْنَائِكِ، وَأَيْضًا سَيَرْجِعُ فَيَرْحَمُ أَبْنَاءَ الصَّدِّيقِينَ. بِصَلَاحٍ اعْتَرِفِي لِلرَّبِّ فِي خَيْرَاتِكِ وَبَارِكِي مَلِكَ الدُّهُورِ لِكَيْ يُعَمِّرَ فِيكِ أَيْضًا مَسْكِنَهُ بِفَرَحٍ وَيُبْهِجَ فِيكِ الْمَسْبِيِّينَ هُنَاكَ، وَيُحَبَّبَ فِيكِ الْمَسَاكِينَ إِلَى أَجْيَالِ الدُّهُورِ بِضَوْءٍ مُضِيءٍ تُضِيئِينَ، وَجَمِيعُ أَقَاصِي الْأَرْضِ يَسْجُدُونَ فِيكِ. أُمَمٌ كَثِيرَةٌ يَأْتُونَكِ مِنْ بَعِيدٍ لأَجْلِ اسْم الرَّتِ الْإِلَهِ حَامِلِينَ بِأَيْدِيهِمْ هَدَايَا يُقَدِّمُونَهَا لِمَلِكِ السَّمَاءِ.
يُسَبِّحُكِ أجيالُ الأجْيَالِ وَيُعْطُونَكِ السُّرُور وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ فِيكِ وَيَحْسَبُونَ بَلَدَكِ مُقَدَّسَةٌ لأَنَّهُمْ فِيكِ يَدْعُونَ الِاسْمَ الْعَظِيمَ. جَمِيعُ الَّذِينَ يُبْغِضُونَكِ مَلَاعِينُ، وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكِ وَيُبَارِكُونَ مُبَارَكُونَ إِلَى الدَّهْرِ افْرَحِي وَتَهَلَّلِي بِأَوْلَادِ الصَّدِّيقِينَ لأَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ وَيُبَارِكُونَ الرَّبِّ إِلَهَ الصِّدِّيقِينَ. يَا لَسَعَادَةِ الَّذِينَ يُحِبُّونَكِ وَيَفْرَحُونَ بِسَلَامَتِكِ، طُوبَى لِلَّذِينَ حَزِنُوا فِي كُلَّ تَعْذِيبِكِ لِأَنَّهُمْ يَفْرَحُونَ فِيكِ مُشَاهِدِينَ كُلَّ مَجْدِكِ وَيَتَهَلَّلُونَ إِلَى الدَّهْرِ. فَلْتُبَارِك نَفْسِي الرَّبِّ الْمَلِكَ الْأَعْظَمَ لِأَنَّهُ خَلَّص مَدِينَتَهُ أُورُشَلِيمَ مِنْ كُلَّ شَدَائِدِهَا. طُوبَى لِي إِنْ بَقِي مِنْ ذُرِّيَّتِي مَنْ يُبْصِرُ نُورَ أُورُشَلِيمَ لِأَنَّ أُورُشَلِيمَ سَتُبْنَى بِالْفَيْرُوزِ وَالزُّمُردِ وَبِحَجَرٍ كَرِيمٍ، وَكُلُّ أَسْوَارِهَا وَأَبْرَاجِهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيَّ. وَجَمِيعُ أَسْوَاقِهَا يُبَلِّطُونَهَا بِحَجَرٍ مِنْ سُوفِيرَ، وَأَبْوَابُهَا مِنَ الْيَاقُوتِ، وَفِي كُلِّ شَوَارِعِهَا يَتَشَكَّلُونَ وَيَقُولُونَ: هَلِّلُويَا وَيُسَبِّحُونَ قَائِلِينَ: تَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَهَا لِتَكُونَ مَمْلَكَتُهُ عَلَيْهَا إِلَى جَمِيعِ الْأَدْهَارِ.
كَمَّلَ طُوبِیتُ كَلَامَهُ وَكَانَ فِي سِنِّ الثَّمَانِي وَالثَّمَانِينَ لَمَّا فَقَدَ نُورَ الْبَصَرِ، وَبَعْدَ ثَمَانِي سَنَوَاتٍ أَبْصَرَ، وَكَانَ يَصْنَعُ صَدَقَاتٍ كَثِيرَةً وَدَامَ خَائِفًا الرَّبِّ الْإِلَهَ وَمُعْتَرِفًا لَهُ وَصَارَ إِلَى شَيْخُوخَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ.
وَدَعَا طوبيا ابْنَهُ وَأَولَادَهُ الْسِتَّةَ، وَقَالَ لَهُ: يَا وَلَدِي خُذْ بَنِيكَ لِأَنِّي هُوذَا شِخْتُ وَإِنِّي ذَاهِبٌ مِنَ الْحَيَاةِ. وَامْضِ يَا وَلَدِي إِلَى مَادِيَ لِأَنِّي مُتَحَقِّقٌ جَمِيعَ مَا تَكَلَّمَ نَاحُومُ النَّبِيُّ عَنْ نِينَوَى أَنَّهَا سَتُخْرَبُ. وَأَمَّا فِي مَادِيَ فَتَكُونُ سَلَامَةٌ نَوْعًا إِلَى زَمَانٍ مَا. وَإِنَّ إِخْوَتَنَا فِي الْأَرْضِ يَتَشَتَّتُونَ مِنَ الْأَرْضِ الصَّالِحَةِ وَأُورُشَلِيمَ تَكُونُ مُقْفِرَةً وَبَيْتُ اللَّهِ فِي أُورُشَلِيمَ يُحْرَقُ وَيَكُونُ خَرَابًا إِلَى زَمَانٍ. وَأَيْضًا يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ وَيَرُدُّهُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَيَبْنُونَ الْبَيْتَ لَيْسَ كَمَا كَانَ أَوْلا إِلَى حِينِ تَنْتَهِي أَزْمِنَةُ الدَّهْرِ، وَبَعْدَ هَذَا يَرْجِعُونَ مِنَ السَّبِي وَيَبْنُونَ أُورُشَلِيمَ بِكَرَامَةٍ. وَيُبْنَى فِيهَا بَيْتُ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ الْأَجْيَالِ بِنَاءً مَجِيدًا كَمَا تَكَلَّمَتْ عَنْهَا الْأَنْبِيَاءُ وَيَرْجِعُ جَمِيعُ الْأُمَمِ يَخَافُونَ الرَّبِّ الْإِلَهَ بِصِدْقٍ وَيَطْرَحُونَ أَصْنَامَهُمْ جَمِيعُ الْأُمَمِ تُبَارِكُ الرَّبِّ. وَشَعْبُهُ يَعْتَرِفُ للَّهِ. وَيَرْفَعُ الرَّبُّ شَعْبَهُ وَيَفْرَحْ كُلُّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ الرَّبَّ الْإِلَهَ بِصِدْقٍ وَاسْتِقَامَةٍ صَانِعِينَ رَحْمَةً مَعَ إِخْوَتِنَا.
وَالْآنَ يَا وَلَدِي امْضِ مِنْ نِينَوَى لِأَنَّهُ سَيَكُونُ جَمِيعُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ نَاحُومُ النَّبِيُّ. أَمَّا أَنْتَ فَأَحْفَظِ النَّامُوسَ وَالْأَوَامِرَ وَكُنْ مُحِبًّا لِلرَّحْمَةِ وَصَدِّيقًا فَيَكُونَ لَكَ خَيْرٌ. وَادْفِنِي جَيْدًا أَنَا وَوَالِدَتَكَ مَعِي، وَلَا تَبْقُوا سَاكِنِينَ بِنِينَوَى أَنْظُرْ يَا وَلَدِي، إِنَّ مَنْ صَنَعَ رَحْمَةً نَجَا مِنْ فَخَ الْمَوْتِ الَّذِي أَعِدَّ لَهُ. وَأَمَّا هَامَانُ فَوَقَعَ فِي الْفَحَ وَهَلَكَ. وَالْآنَ يَا أَوْلَادِي انْظُرُوا مَاذَا تَفْعَلُ الرَّحْمَةُ وَكَيْفَ تُنَجِّي الِاسْتِقَامَةُ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَقُولُ لَهُمْ هَذَا، أَسْلَمَ رُوحَهُ عَلَى فِرَاشِهِ، وَكَانَ إِذْ ذَاكَ عُمْرُهُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَدَفَنَهُ طُوبِيًّا بِاحْتِرَامٍ.
وَلَمَّا مَاتَتْ حَنَّهُ أُمُّهُ دَفَنَهَا بِجَانِبِ أَبِيهِ، ثُمَّ ذَهَبَ مَعَ امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ إِلَى أَكْفَاتْيَا عِنْدَ رَاعُوئِيلَ حَمِيهِ، وَشَاخَ بِكَرَامَةٍ وَدَفَنَ أَحْمَاءَهُ بِتَمْجِيدٍ، وَوَرِثَ كُلَّ مَوْجُودَاتِهِمْ وَمَوْجُودَاتِ أَبِيهِ طُوبِيتَ. وَمَاتَ فِي أَكْفَاتْيَا مَدِينَةِ مَادِيَ. وَسَمِعَ قَبْلَ مَمَاتِهِ هَلَاكَ نِينَوَى الَّتِي سَبَاهَا نَبُوخَذْنَاصُرُ وَأَحْشَوِيرُسُ، وَفَرِحَ قَبْلَ مَوْتِهِ لِأَجْلِ نِينَوَى.
(مَجْدًا لِلثَالُوثِ القُدُّوس إلهنا، إلَى الأَبَدِ وإِلَى أَبَدِ الْآبَادِ كُلَّهَا. آمِينَ)
باكر
المزمور
مِنْ مَزَامِيرٍ أبِينَا دَاوُدَ النَّبِي (٧:٥٠-٨)
تَنْضَحُ عَلَيَّ برُوفَاكَ فَأَطْهَرُ، وَتَغسِلُنِي فَأَبْيَضُ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ. تُسْمِعُنِي سُرُورًا وَفَرَحًا، فَتَبْتَهِجُ الْعِظَامُ الْمُتَوَاضِعَةُ. هَلِلُويَا.
الإنجيل
مِنْ إِنْجِيلِ مُعَلِّمِنَا يُوحَنَّا الْبَشِيرِ (٣: ١٤ - ٢١)
" وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي البَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الْإِنْسَانِ، لَكِيْ يَنَالَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيّةَ. لأَنَّهُ هكَذا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ يَنَالُ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بهِ الْعَالَمُ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لَا يُدَانُ، وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ فَقَدْ دِينَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللَّهِ الْوَحِيدِ. وَهَذِهِ الدَّيْنُونَةُ هي: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الشَّرِّ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلَا يَأْتِي إِلَى النُّورِ، لِئَلَّا تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ لِأَنَّهَا شِرِّيرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يَعْمَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللَّهِ مَعْمُولَةٌ ".
(وَالْمَجْدُ لِلَّهِ دَائِمًا)
القداس
الْبُولس
فضل مِنْ رِسَالَةِ مُعَلِّمِنًا بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْل كورنثوس بَرَكَتُهُ عَلَيْنَا آمين. (۱۰ : ۱-۱۳)
فَإِنِّي لَا أُريدُ أنْ تَجْهَلُوا أَيْهَا الْإِخْوَةُ أَنَّ آبَاءنَا كُلَّهُمْ كَانُوا تَحْتَ الْغَمَامِ ، وَكُلُّهُمْ جَازُوا فِي الْبَحْرِ ، وَكُلُّهُمْ اِصْطَبَغُوا عَلَى يَدِ مُوسَى فِي الْغَمَامِ وَفِي الْبَحْرِ ، وَكُلُّهُمْ أَكَلُوا طَعَامًا رُوحِيًّا وَاحِدًا ، وَكُلُّهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا رُوحِيًّا وَاحِدًا ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنَ الصَّخْرَةِ الرُّوحِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَتْبَعُهُمْ ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَمْ يَرْضَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَإِنَّهُمْ طُرِحُوا فِي الْبَرِّيَّةِ. وَهَذِهِ حَدَثَتْ رَمْزًا لَنَا، لِئَلَّا نَشْتَهِيَ الشُرُورَ كَمَا اشْتَهَى أُولَئِكَ. فَلَا تَكُونُوا عَابِدِي أَوْثَانٍ كَمَا كَانَ قَوْمٌ مِنْهُمْ، كَمَا كُتِبَ " جَلَسَ الشَّعْبُ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِب ". وَلَا نَزْنِ كَمَا زَنَى قَوْمٌ مِنْهُمْ، فَسَقَطَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَلَا نُجَرَبِ الْمَسِيحَ كَمَا جَرَّبَهُ أَيْضًا قَوْمٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَتْهُمُ الْحَيَّاتُ. وَلَا تَتَذَمَّرُوا كَمَا تَذَمَّرَ أَيْضًا قَوْمٌ مِنْهُمْ، فَهَلَكُوا عَلَى يَدِ الْمُهْلِكِ.
فَهَذِهِ الْأُمُورُ جَمِيعُهَا عَرَضَتْ لَهُمْ مِثَالًا، وَكُتِبَتْ لِإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ. فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَسْقُط. لَمْ يُصِبْكُمْ مِنَ التَّجَارِبِ إلَّا بَشَرِيَّةٌ. وَلَكِنَّ اللَّهَ أَمِينٌ، لَا يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ، مَنْفَذَا لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا.
(نِعْمَةَ اللَّهِ الْآبِ فَلْتَحْلَّ عَلَى أَرْوَاحِنَا يَا آبَائِي وَإِخْوَتِي. آمِينَ.)
الْكَاثُولِيكُون
فَصْلٌ مِنْ رِسَالَةِ مُعَلِّمِنَا يُوحَنَّا الرَّسُولِ الأُولَى بَرَكَتُهُ عَلَيْنَا. آمين. (۲: ۱۲ – ۱۷)
أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْأَوْلَادُ، لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ خَطَايَاكُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْآبَاء، لِأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الشُّبَّانَ، لأَنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْأَوْلَادُ، لِأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الْآبَ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْآبَاءُ، لِأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الشُّبَّانُ، لِأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللَّهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشَّرِّيرَ.
لَا تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلَا الْأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الْآبِ لِأَنَّ كُلَّ مَا فِي العَالَم شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، فَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنَ الْآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللَّهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الْأَبَدِ.
(لَا تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلَا الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ، لأنَّ الْعَالَمَ يَمْضِي وَشَهْوَتْهُ مَعَهُ وَأَمَّا مَنْ يَعْمَلُ مَشِيئَةَ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ إِلَى الْأَبَدِ آمِينَ )
الإِبْرَكْسِيس
فَصْلٌ مِنْ أعْمَالِ آبَائِنَا الرُّسُلِ الْأَطْهَارِ الْمَشْمُولِينَ بِنِعْمَةِ الرُّوح الْقُدُسِ. بَرَكَتُهُمُ الْمُقدَّسَةُ فَلْتَكُنْ مَعَنَا آمِينَ. ( ٨:٩-١٧)
وَكَانَ قَبْلًا فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ رَجُلٌ اسْمُهُ سِيمُونُ، يَسْتَعْمِلُ السِّحْرَ وَيُدْهِشُ كُلَّ شَعْبِ السَّامِرَةِ، وَقَائِلًا: " إِنِّي أَنَا عَظِيمٌ! ". وَكَانَ الْجَمِيعُ يُصْغُونَ إِلَيْهِ مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ قَائِلِينَ: " هَذَا هُوَ قُوَّةُ اللَّهِ الْعَظِيمَةُ ". وَكَانَ الْجَمِيعُ يُصْغُونَ إِلَيْهِ لأَنَّهُ أَقَامَ بَينَهُمْ زَمَانًا طويلًا يُطْغِيهِمُ بالأَسْحَارِ. وَلَكِنْ لَمَّا آمَنُوا - إِذْ بَشَرَهُمْ فِيلِبُسُ بِمَلَكُوتِ اللَّهِ وَبِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحَ - اعْتَمَدُوا رِجَالًا وَنِسَاءً. وَسِيمُونُ نَفْسُهُ أَيْضًا آمَنَ. وَلَمَّا اعْتَمَدَ كَانَ يُلَازِمُ فِيلِبُّسَ، وَإِذْ رَأَى آيَاتٍ وَقُوَّاتٍ عَظِيمَةً تُجْرَى عَلَى يَدِيهِ، انْدَهَشَ.
وَلَمَّا سَمِعَ الرُّسُلُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ أَنَّ أَهْلَ السَّامِرَةِ قَدْ قَبلُوا كَلِمَةَ اللَّهِ، أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، فَانْحَدَرَا وَصَلَّيَا مِنْ أَجْلِهِمْ لِكَيْ يَنَالُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ فَوَضَعَا حِينَئِذٍ أَيْدِيَهُمَا عَلَيْهِمْ فَنَالُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ.
( لَمْ تَزَلْ كَلِمَةُ الرَّبِّ تَنْمُو وتَكْثُرُ وتَعْتَزُّ وتَثْبُتُ فِي بِيعَةِ اللَّهِ الْمُقَدَّسَةِ. آمِينَ)
السنكسار
الستكسار
اليوم الثاني و العشرون من شهر برمهات المبارك
1 - نياحة القديس كيرلس أسقف أورشليم
في مثل هذا اليوم من سنة 102 للشهداء ( 386م )، تنيَّح القديس العظيم كيرلس أسقف أورشليم. وُلِدَ هذا الأب بأورشليم سنة 315م وتربى تربية مسيحية وأتقن العلوم الروحية والآداب اليونانية. رسمه القديس مكسيموس أسقف أورشليم شماساً ثم كاهناً وأوكل إليه إرشاد الموعوظين من اليهود والوثنيين في كنيسة القيامة، فأقام على ذلك ستة عشر عاماً يُعلِّم عقائد الديانة المسيحية ويلقى العظات، وكان كثيرون يتزاحمون حوله لسماع عظاته.
ولما تنيَّح أسقف أورشليم اختاروه أسقفاً خليفة له، فاتسع أمامه مجال العلم والتعليم. وكانت الهرطقة الأريوسية قد انتشرت، وكان القديس كيرلس من أشد المقاومين لها، لذلك كان هدفاً لسهام الهراطقة الأريوسيين حتى نُفي عن كرسيه ثلاث مرات احتملها كلها بصبر وشكر ورجع إلى كرسيه سنة 370م، بعد موت الملك فالنس الأريوسي.
حضر هذا الأب مجمع القسطنطينية سنة 381م، وكان من أبرز الحاضرين في المجمع. ألَّف هذا القديس كتباً كثيرة عن التجسد وقانون الإيمان وعماد الموعوظين. ولما أكمل سعيه الصالح تنيَّح بسلام.
بركة صلواته فلتكن معنا. آمين.
2 - نياحة البار يوسف الرامي
وفيه أيضاً تنيَّح البار يوسف الرامي. كان من الرامة إحدى بلاد اليهودية، وكان غنياً ورجلاً صالحاً باراً (لو 23: 50). وكان عضواً في مجمع السنهدريم،
وفي نفس الوقت تلميذاً للرب يسوع المسيح (مت 27: 57)، ولم يحضر جلسة مجمع السنهدريم لمحاكمة الرب يسوع المسيح لأنه لم يكن موافقاً لرأى اليهود على صلبه (لو 23: 51).
وبعد موت السيد المسيح على الصليب طلب من بيلاطس البنطي أن يستلم الجسد الطاهر لتكفينه ودفنه فسمح له، فأنزل الجسد من على الصليب ولفه بكتان نقى، واشترك معه نيقوديموس بوضع كمية كبيرة من الحنوط والأطياب على جسد المخلص، وبعد ذلك وضعه يوسف في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى (مت 27: 60).
وبعد قيامة الرب لازم الرسل. وبعد حلول الروح القدس باع أملاكه ووضع ثمنها بين يدي الرسل لتوزيعها على الفقراء، ثم تفرغ للبشارة بالسيد المسيح.
بركة صلواته فلتكن معنا. آمين.
3 - نياحة القديس ميخائيل أسقف نقادة
وفيه أيضاً تنيَّح الأب الأسقف صاحب الشيخوخة الحسنة والذكر الجميل الأنبا ميخائيل أسقف نقادة.
ومن أمره أنه رُسم أسقفاً على نقادة في 12 مسرى 1391 للشهداء ( 1675م ) بيد البابا متاؤس الرابع البطريرك ال 102. وقد اشترك في سيامة البابا يوأنس السادس عشر البطريرك ال 103 يوم الأحد 9 برمهات 1392 للشهداء ( مارس 1676م ) في كنيسة الشهيد العظيم مرقوريوس أبي سيفين بدرب البحر حارة شنوده بمصر القديمة. وفي أيامه زار نقادة الراهب الدومينيكاني المؤرخ ڤانسلب وتقابل معه. وبعد أن رعى شعبه أحسن رعاية تنيح بسلام.
بركة صلواته فلتكن معنا.
ولربنا المجد دائماً أبدياً آمين.
المزمور
مِنْ مَزَامِير أبينا دَاوُدَ النَّبي (٣،٤:٣٣)
تَقَدَّمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَنِيرُوا، وَوُجُوهُكُم لَا تَخْزَى. طَلَبْتُ إِلَى الرَّبِّ، فَاسْتَجَابَ لِي. هَلِلُويَا.
الإنجيل
مِنْ إِنْجِيلِ مُعَلِّمِنَا يُوحَنَّا الْبَشِيرِ (۳: ۱ – ۱۳ )
وَكَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِيسِينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسُ لِلْيَهُودِ. هَذَا أَتَى إِلَى يَسُوعَ لَيْلًا وَقَالَ لَهُ: " يَا مُعَلّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ َأتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلَّمًا، لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُهَا إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ ". أَجَابَ يَسُوعُ وقال له: " الحَقِّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ ثَانِيَةً مِنْ فَوْقُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ ". قَالَ لَهُ نِيفُودِيمُوسُ: " كَيْفَ يُمْكِنُ الْإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ ثَانِيَةً بَعْدَ أَنْ صَارَ شَيْخًا؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟ ". أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: " الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ الْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. لَا تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مَرَّةً ثَانِيةَ الرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لَكِنَّكَ لَا تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلَا إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هَكَذَا كُلُّ مَولُودٍ مِنَ الرُّوح ".
أَجَابَ نِيقُودِيمُوسُ وَقَالَ لَهُ: " كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا؟ ". أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: " أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وَلَسْتَ تَعْلَمُ هَذَا الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّنَا إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ بِمَا نَعْلَمُ وَنَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا إِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ الْأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ السَّمَاوِيَّاتِ؟ وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ ".
(وَالْمَجْدُ لِلَّهِ دَائِمًا)
قطمارس الصوم الكبير طبعة عام 1922
قطمارس الصوم الكبير عربي اصدار دير الشهيد العظيم مار مينا مريوط
قطمارس الصوم الكبير عربي اصدار دير الشهيد العظيم مار مينا مريوطhttps://drive.google.com/file/d/1vBReXxR2QSFDNuiPG8E4fMyAt-IX4poa/view?usp=share_link
برنامج القطمارس موقع دير الانبا بيشوي برنامج القطمارس
برنامج القطمارس موقع دير الانبا بيشوي برنامج القطمارسhttp://katamars.avabishoy.com/Home/Katamars
السنكسار طبعة مكتبة المحبة الجزء الثاني عام 1951
السنكسار طبعة مكتبة المحبة الجزء الثاني https://drive.google.com/file/d/1cep1OObDSPjyt2w4xGwXwQeT-mGWkozX/view?usp=share_link
السنكسار منقح – جزءين – أصدار دير العذراء السريان 2012
السنكسار منقح – جزءين – أصدار دير العذراء السريان https://drive.google.com/file/d/1ceuF_ryOFzaI_E1RtzWX_zwDPmL32z9T/view?usp=share_link
صفحة الفيسبوك الخاصة بالدير
صفحة الفيسبوك الخاصة بالديرhttps://facebook.com/100068957185605