وبعد ذلك بدأت واقعة أخرى حينما قال وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ الأَسْبُوعِ ظَهَرَ أَوْلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ” (مر ١٦: ٩)، هذا ظهور للسيد المسيح بعد القيامة. وهذا يوجهنا إلى قصة القيامة في إنجيل متى البشير حيث زارت مريم المجدلية القبر وعند عودتها ظهر لها السيد المسيح. فيقول معلمنا متى : وَبَعْدَ السَّبْتِ عِنْدَ فَجْرٍ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّة وَمَرْيَمُ الْأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ . وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ لَأَنَّ مَلَاكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ فَقَالَ الْمَلَاكُ لِلْمَرْأَتَيْنِ لَا تَخَافَا أَنْتُمَا فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ. لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعاً فِيهِ. وَاذْهَبَا سَرِيعاً قُولاً لِتَلَامِيذِهِ إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا. فَخَرَجَتَا سَرِيعاً مِنَ الْقَبْرِ بِخَوْفٍ وَفَرَحٍ عَظِيمٍ رَاكِضَتَيْنِ لِتُخْبِرًا تَلَامِيذَهُ (مت ٢٨: ١-٨). هذه المرة مرأتين وليس ثلاثة كالأولى. والمرأتين هذه المرة لم يرين فقط الملاك الذى منظره كالبرق بل دخلن إلى القبر أيضاً لأن الملاك قال لهن: “هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعا فِيهِ”. فالملاك جعلهن يدخلن إلى داخل القبر وكان الملاك في الخارج. أما في الزيارة الأولى التى ذكرها معلمنا مرقس فيقول: وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابّاً جَالِساً عَنِ الْيَمِينِ لَابِساً حُلَّةً بَيْضَاءَ فَانْدَهَشْنَ (مر ١٦: ٥). وكن يتساءلن عمن يدحرج لهن الحجر وكن ثلاثة والذي كلمهن كان بداخل القبر. أما التي ذكرها معلمنا متى فهى الزيارة الثانية حيث كانتا اثنتان والذى كلمهن كان ملاكاً جالساً على الحجر خارج القبر . وهذا يثبت أنها زيارة أخرى غير الزيارة الأولى.. وهنا ربما يتساءل أحد هل يمكن أن تزور مريم المجدلية القبر أربع أو خمس مرات؟ للرد على هذا التساؤل قال المتنيح قداسة البابا شنوده الثالث: أن مريم المجدلية زارت القبر خمس مرات فجر الأحد، وفسّر ذلك بقوله إن القبر كان قريباً جداً من باب المدينة. أين التناقض الذي يراه البعض بينما هذه زيارة تختلف عن الزيارة الأخرى؟! إن هناك دليلاً من الإنجيل على قرب القبر من المدينة وهو قول معلمنا يوحنا: “وَكَتَبَ بِيلَأَطُسُ عُنْوَاناً وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوباً يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ. فَقَرَأَ هَذَا الْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ لَأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيباً مِنَ الْمَدِينَةِ” (يو ١٩: ٢٠). هذا يعنى أن من يقف عند باب المدينة يستطيع أن يقرأ لافتة موضوعة فوق صليب على الجلجثة وليس فقط أن يرى الصليب نفسه. كما أن المسافة بين الجلجثة والقبر قصيرة أيضاً: “وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ (يو ١٩: ٤١). ويتحدث المتنيح نيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوي مطران دمياط والبراري ويقول: وفى زيارتنا للقدس بتكليف من قداسة البابا شنوده الثالث لتجليس نيافة الأنبا أبراهام مطران القدس، رأينا بأنفسنا موضع الجلجثة والقبر وهما تحت قبة واحدة كبيرة في كنيسة القيامة. فالقبر قريب جداً من الجلجثة، والمسافة هي مجرد خطوات تقدر بحوالي ١٢ إلى ١٣ متراً. كما أن الجلجثة والقبر هما على مرمى البصر من المدينة لذلك يمكن قراءة اللافتة المكتوبة فوق الجلجثة بالرغم من ارتفاع الجلجثة. ومريم المجدلية كانت تركض إلى القبر ذهاباً وإياباً. مشكلة البعض أنهم يمزجون الزيارات ببعضها البعض ثم يعتبرون أن هناك تناقضات. فيعتبرون أن الزيارة الأولى هى الزيارة الثانية مثلاً. بينما في الزيارة الأخيرة قال للمجدلية “لا” “تلمسيني” وفى الزيارة الثانية أمسكت بقدميه وسجدت له.. وليس هناك تناقضاً فلكل زيارة ما يصاحبها من أحداث. كتب معلمنا مرقس الرسول ما يلى: “وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ الأَسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ” (مر ١٦: ٩). أما كيفية ظهوره أولاً لمريم المجدلية فجاءت في إنجيل متى حيث قال: “فَخَرَجَتَا سَرِيعاً مِنَ الْقَبْرِ بِخَوْفٍ وَفَرَحٍ عَظِيمٍ رَاكِضَتَيْنِ لِتُخْبِرًا تَلاَمِيذَهُ. وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلَامِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لاَقَاهُمَا وَقَالَ سَلَامٌ لَكُمَا فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ” (مت ٢٤: ٧-٩). وهذه كانت الزيارة الثانية لمريم المجدلية وكانتا اثنتين وليس ثلاثة ولم يقلن فى هذه الزيارة من يدحرج لنا الحجر، بل قيل جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الْأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ” (مت ٢٤: ١، ٢). وهناك اعتراض آخر يقول : متى ٢٨ روى بأن هناك زلزال تسببت فى تحريك الصخرة من على القبر وقال بأن الملاك هو الذي سببه بينما الأناجيل الأخرى لا تذكر أنه حدث زلزال؟ الاعتراض هنا هو على ذكر الزلزال في إنجيل متى فقط وعدم ذكره فى باقى الأناجيل !! ويستخلصون من ذلك أن هناك تناقض بين الأناجيل الأربعة. هذا ليس تناقضاً، لأن الأناجيل الأربعة تكمل بعضها، فمثلاً معجزة إقامة لعازر ذكرت في إنجيل يوحنا ولم تذكر في الأناجيل الأخرى وكذلك عرس قانا الجليل وأمور كثيرة ذكرت فى إنجيل واحد ولم تذكر في الأناجيل الأخرى. والكنيسة تفرح بأن كل إنجيل يعطينا رؤية معينة. فإنجيل متى ذكر الزلزال، وربما يضيف السائل أن الزلزال كان من المفروض أن يُذكر فى الزيارة الأولى وليس في الزيارة الثانية. في الواقع إن الزلزلة لم تحدث لا في الزيارة الأولى ولا في الزيارة الثانية بل حدثت قبل وصول المريمات. وإنجيل معلمنا متى لم يذكر الزيارة الأولى، بل ذكر قصة الحراس وذهابهم إلى رؤساء الكهنة بينما لم يذكرها إنجيل معلمنا مرقس ولا إنجيل معلمنا لوقا ولا إنجيل معلمنا يوحنا . فهل لابد أن يذكر الأناجيل الأربعة كل حادثة لكي يثبت حدوثها ؟! إذا ذكر كل إنجيل كل الأحداث التي ذكرها الآخر لكان إنجيل واحد يكفي! اختلاف إن من ضمن ما يثبت صحة الأناجيل هو الرواية مع عدم تناقضها. لأن كل من البشائر كتب برؤية معينة ومن زاوية معينة وبأسلوب معين وأيضاً بقيادة معينة من الروح القدس.
مثال: إن قام الجبرتي وحده بالتأريخ لمصر، من الممكن أن يذكر أحداثاً معينة بتعاطف شخصي مع شخصية معينة. لكن إذا كان هناك أربعة مؤرخون والأربعة يروون التاريخ لنفس الحقبة الزمنية تصير كتاباتهم مصادر قوية تعطى مصداقية أكثر للتاريخ. أما لو نقل المؤرخون من بعضهم البعض يصبح المؤرخ واحد فقط والآخرون مجرد ناقلين. فالاختلاف بين الأناجيل ليس اختلافاً بمعنى التناقض ولكنه اختلاف بمعنى أن أحدهم يروى جزءًا من الأحداث والآخر يروى أحداثاً أخرى، وعندما نجمع هذه الأحداث معاً يظهر الحدث بكامل روعته. إن من يضع أمامه الأربعة أناجيل ويتأمل فيها يجد منظراً في منتهى الروعة والجمال وتكتمل كل الأحداث.. شيء رائع جداً … لا توجد رواية ضد الأخرى بل توجد رواية غير الأخرى، وغيرها بمعنى أنها توضع معها جنباً إلى جنب لتكمل الصورة. كون أن إنجيل معلمنا متى ذكر الزلزلة مع الزيارة الثانية فهذا ليس فيه أى تناقض مع معلمنا مرقس الذي ذكر الزيارة الأولى ولم يذكر الزلزلة والدليل على أن ما ذكره معلمنا مرقس هو الزيارة الأولى هو قوله: “فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُخرِج (مر ١٦: ٤). فالملاك قد دحرج الحجر قبل أية زيارة من الزيارات، وربما المريمات شعرن بالزلزال عن بعد ولكن ليس في قلب الموقع. أما الحراس فهم وحدهم الذين كانوا في قلب الزلزال وصاروا كأموات . عودة لأحداث القيامة الزيارة الثانية: في الزيارة الثانية للقبر يقول معلمنا متى: “وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرًا تَلَامِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لَأَقَاهُمَا وَقَالَ سَلَامٌ لَكُمَا فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ، فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ لَا تَخَافَا اذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي” (مت ٢٨ : ٨ – ١٠). السؤال هنا هل المريمات أخبرن التلاميذ بقيامة المسيح أم لا؟ إنجيل معلمنا مرقس يذكر إنهن: لَمْ يَقُلْنَ لِأَحَدٍ شَيْئاً لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ (مر ١٦: ٨) وهذه كانت في الزيارة الأولى للقبر، وبعدها ذكر معلمنا مرقس أنه بَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ الْأَسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ… فَذَهَبَتْ هَذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ سَمِعَ أُولَئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ وَقَدْ نَظَرَتْهُ لَمْ يُصَدِّقُوا وَيَبْكُونَ. فَلَمَّا (مر ١٦: ٩ – ١١). وهذا في الزيارة الثانية للقبر. وتأكيداً لهذا الكلام ذكر معلمنا لوقا أن تلميذى عمواس قالا للسيد المسيح : بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِراً عِنْدَ الْقَبْرِ. وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلَاتٍ إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلَائِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلَى الْقَبْرِ فَوَجَدُوا هَكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضاً النِّسَاءُ وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ، فَقَالَ لَهُمَا أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِينَا الْقُلُوبِ فِي الْإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ” (لو ٢٤ : ٢٢ – ٢٦). إذن رواية أن التلاميذ لم” يصدقوهن” الواردة في إنجيل مرقس متوافقة مع رواية إنجيل لوقا على لسان تلميذي عمواس. وذكر أيضاً معلمنا مرقس أنه بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لإِثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. وَذَهَبَ هَذَانِ وَأَخْبَرَا الْبَاقِينَ فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلَا هَذَيْنِ. أَخِيراً ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِثُونَ وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ (مر ١٦: ١٢ – ١٤). أى أنه ظهر للأحد عشر ووبخهم بعد أن عاد تلميذي عمواس ورؤيا ظهوره لهما في الطريق. وهكذا نجد أن روايتي معلمنا متى ومعلمنا مرقس ليس بهما أي تناقض لأن معلمنا متى ذكر الزيارة الثانية بينما معلمنا مرقس ذكر الأولى للقبر ثم الثانية.