مقالاات

ماذا تفعل الخطية

ماذا تفعل الخطية


ماذا تفعل الخطية ؟

( 1 ) القلق وفقدان السلام :

بالخطية فقد الإنسان سلامه وورث بدله ..القلق وهكذا يكون القلق قرين الخطية ، يأتي في ركابها ويستقر معها وعلى هذا النحو يفقد الإنسان الراحة القلبية الهادئة نتيجة حلول الله في هيكله . وبعبارة أخرى يفقد سلامه الداخلي الذي هو من أعظم عطايا الله للإنسان ، ووصفه الرسول بأنه « يفوق كل عقل » ( في ٧:٤ ) . قال اشعياء النبي . ( أما الأشرار فكالبحر المضطرب لأنه لا يستطيع أن يهدأ ، وتقذف مياهه حماة وطينا . ليس سلام قال إلهي للأشرار ) ( أش ۲۰:٥٧ و ۲۱ ) . فما أروع تشبيه النبي للشرير ( لا يستطيع أن يهدأ ) ، حتى لو أراد الهدوء فهو لا يستطيع فالسلام ثمرة من ثمار الروح القدس ( غل ۲۲:٥ ) ، والقلق ثمرة من ثمار الخطية ، وليس شركة للظلمة مع النور .. قال داود النبى ليست في عظامي سلامة من جهة خطیتی ) ( مز ۳:۲۸ ). إن الشرير خصماً ينازعه ويقلقه ، ولا يكف عن منازعته واقلاقه حتى يثوب إلى رشده ويتوب عن خطأه ، ذلك الخصم هو الضمير الذي – حسب تفسير الآباء - أشار إليه السيد المسيح وأمرنا أن نرضيه .. كن مراضياً لخصمك سريعاً ما دمت معه فى الطريق .. » ( مت ٢٥:٥ ) ، ولنا دليل على ذلك من حياة قايين بعد أن قتل أخاه هابيل . فقد صرخ إلى الله قائلاً « من وجهك اختفي ، وأكون تايهاً وهارباً في الأرض ، فيكون كل من وجدني يقتلني وجعل الرب لقايين علامة لكى لا يقتله كل من وجده ) ( تك ١٢:٤ - ١٥ ) . لقد كانت تلك العلامة التى جعلها الرب لقايين ، حتى لا يقتله أحد ، سبباً في ازدياد تأنيب ضميره .. ! ..
هكذا فعلت الحمامة التي أطلقها نوح ، فلما لم تجد راحتها في العالم عادت إلى الفلك . ويونان الذي هرب من وجه الله فظلت أمواج البحر وزوابعه تطارده وتقاومه ، ولم يجد سبيلاً للنجاة إلا بالرجوع إلى الله فطلبه وهو في بطن الحوت .. أننا نقرأ عن كثير من المجرمين والقتلة الذين بعد أن فشل رجال الأمن فى وضع أيديهم عليهم . أسلموا ذواتهم بإرادتهم واعترفوا بجرائمهم حتى بعد وقوعها بسنوات . وذلك كله يرجع إلى أنهم فضلوا الإعتراف ، وما يترتب عليه من قصاص وعقاب ، عن الهرب والاختفاء ، ووخز الضمير وثورته ..

وهكذا نجد أن الإنسان طالما هو بعيد عن الله يظل في قلق حتى يعود إليه ، لأن الله أراد ألا يجد قلبنا مكانا يرتاح إليه الراحة الكاملة فيرجع إليه ..

والواقع أنه ليست هناك كارثة تنزع سلام الإنسان كالخطيئة، ولا مصيبة أشد هولاً من الوقوع في براثنها . لقد فقد أيوب بقره وغنمه وجمله وغلمانه و أولاده جميعاً في يوم واحد ، ولم تكن نكبته فى كل ذلك كنكبة داود العظيم في الخطيئة . فما استطاعت تجربة أيوب أن تنزع سلامه واطمئنان نفسه ، فنسمعه يقول ( عرياناً خرجت من بطن أمي وعرياناً أعود إلى هناك الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً ) أما داود المسكين فنسمعه يقول بعد سقطته « وبدموعى أبل فراشي » .. خطيني امامي في كل حين .

( ٢ ) الحزن والكآبة :

ويأتي مع الخطية الحزن والكآبة . فالفرح من ثمار الروح القدس ( غل ٥ : ۲۲ ) والحزن والكآبة من ثمار الخطية . فالشعب الإسرائيلي في السبي البابلي كانوا جالسين على أنهار بابل تحيط بها أشجار الصفصاف الجميلة. لكن تلك المناظر الطبيعية لم تنسهم مرارة الأسر الذي كانوا يعانونه. بل نراهم مزجوا مياه أنهارهم بمجاري دموعهم وعوض أنغام الطرب علت أصوات البكاء والنحيب . هناك على أشجار الصفصاف علقوا قيثاراتهم . إذ ليس محل للفرح في ظل الأسر ) على أنهار بابل هناك جلسنا فبكينا عندما تذكرنا صهيون ) ( مز ۱۳۷ ) .. أن هذا المزمور يذكرنا » بالأسر الروحي ) ويعطينا صورة للنفس التي أسرها الشيطان من أورشليم مدينة الملك العظيم (مت ٥ : ٣٥) إلى بابل مدينة الزواني ( رؤ ٨:١٤ ، ۲:۱۸ ) ففقدت سلامها وفرحها قائلة في صوت أسيف " كيف نسبح تسبحة الرب في أرض غريبة .. » !!

(۳) قطع الرجاء :

هكذا رأينا أن القلق والحزن والكآبة هي ثمرة من ثمرات الخطية... فيها سم الموت . قد تكبر هذه الثمرة ، وقد تؤدي بصاحبها وحاملها إلى حد القنوط وقطع الرجاء ، فالإنتحار ... إن أعلى نسبة للإنتحار توجد فيما يسمونه بلاد المدنية ، أو بالأحري حيث الإباحية والمرتع الخصب للخطية.

( ٤ ) أساءة العلاقة بالناس :

وأن كانت الخطية تحرميني سلامي مع الله وعلاقتي الطيبة معه ، فهى تفعل نحو ذلك في علاقاتي مع أخوتي من بني البشر . فان كانت المحبة هي رباط الكمال ، الذي يحكم الرابطة بين الناس فالخطية تفعل عكس ذلك . لأن الخطية في حد ذاتها تعدي « كل من يفعل الخطية يفعل التعدى أيضاً . والخطية هي التعدي ) ( ١ يو ٤:٣ ) ... هي تعدي على وصايا الله ، وهي تعدي على الناس أيضاً . ماذا نقول في القاتل والسارق والضارب والزاني ؟ إلا يعتبر بخطاياه هذه متعدياً على غيره ؟!! فماذا عساه يفعل مثل هذا المعتدي في علاقات الإنسان بالآخرين ؟!!

(٥) تسبب غضب الله :

والخطية تهيج غضب الله على الانسان . فبسببها لعن الله الارض التي خلقها وأحسن تكوينها فقال لآدم بعد أن أخطأ «ملعونة الأرض بسببك» (تك ۱۷:۳ ) .. وبسببها أحرق الرب مدينتي سدوم وعمورة بما فيهما وصارتا رماداً . وجعلهما « عبرة للعتيدين أن يفجروا » ، ولم تجد فيهــــا شفاعة إبراهيم ولا سكنى لوط ( ۲ بط ٢: ٥، ٦)٠٠ وبسببها أيضاً ضرب الرب بنى اسرائيل في البرية فسقط ثلاثة وعشرون ألفاً بعد أن زنوا مع بنات موآب ( ١ كو ۸:۱۰ ) ولو كان الأمر على خلاف ذلك ، فما الذي أبكى داود العظيم ليلاً ونهاراً حتى صار يبل فراشه بدموعه يمزج شرابه بعبرات عينيه ‏..؟!!
وهي تحرم الإنسان من معونة القدير . فبنو إسرائيل الذين سار الرب أمامهم ، وأعطاهم غلبة على شعوب وأمم تفوقهم عدداً وعدة ، تخلى عنهم بسبب خطية فرد واحد منهم وهو عاخان بن کرمي ، فانهزموا أمام قرية على الصغيرة ( يش ۷) . فالخطية تفصل بيننا وبين إلهنا فلا تصل صرخاتنا إليه ها أن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص ، ولم تثقل أذنه عن أن تسمع ، بل إن آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين الهكم، وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع ) ( أش ١:٥٩ و ٢ ) . وقال داود النبي ( أن راعيت إثماً في قلبي فلا يستمع لى الرب ) (مز ١٨:٦٦ ) . وبالتالي هي : تمنع عنا خيرات الرب وعطاياه ) آثامكم عكست هذه وخطاياكم منعت الخير عنكم » (أر ٥ : ٢٥).

( ٦ ) تجلب العار والأمراض :

ولا شيء يجلب العار للنفس ، والفشل فى الحياة ، مثل الخطية « فالبر يرفع شأن الأمة ، وعار الشعوب الخطية) (أم ٣٤:١٤ ) . وإن أردت أن تعرف قوة هذه الكلمات ، فأنظر إلى الزناة والسكيرين والمدمنين على المكيفات والمخدرات .. وبالاضافة إلى ذلك ، فقد تسبب أمراضاً للجسد كما يتبين ذلك من كلمات رب المجد في إنجيله المقدس . فمثلاً نجده يقول لمريض بيت حسدا الذي مكث مريضاً ، ثماني وثلاثين سنة ( ها أنت قد برئت . فلا تخطىء أيضاً لئلا يكون لك أشر ) ( يو ٥ : ١٤ ) .

(۷) تجلب الخوف :

وأخيراً فان الخطية تذل الإنسان وحط من قدره . فهى تورثه الخوف ( رؤ ۸:۲۱ ) . والخجل ( تك ٢٥:۲ ، أم ٥:١٣ ) ، وتفقده سلطانه حتى على ذاته فيصبح مستعبداً للعادات السيئة التي لا يملك التحرر منها ويتملكه الخوف من أقل الأشياء وأتفه الكائنات كالحيوانات الضعيفة والحشرات الضعيفة ، بعد أن كان يحيا في الفردوس مع الحيوانات التي تعرف الآن باسم الحيوانات المفترسة دون أن يناله منها أدنى أذى ، بل كانت جميعها خاضعة له بموجب السلطان الإلهي الذي ناله من الله ( تك ٢٦:١ ) . لكن الانسان تخلى عن هذا السلطان طواعية بسقوطه في الخطيئة ، وهكذا بدأ الخوف يعرف طريقه إلى الإنسان . لكننا بحياة التوبة نجاهد لنصل إلى حالة البر التي كان عليها آدم قبل السقوط وهكذا سمعنا عن قديسين كثيرين تأنسوا مع الوحوش.

 

عن كتاب (بستان الروح الجزء الاول) للمتنيح نيافة الحبر الجليل الأنبا يوأنس أسقف الغربية

كتاب بستان الروح للمتنيح انبا يوأنس أسقف الغربيةhttps://drive.google.com/file/d/18tfofpuPQqfqqEUE0UHju1siJH7qpN1O/view

Related posts

القطمارس والليتورجيا المقدسة

fr.Thofelus

ألقاب السيد المسيح

fr.Thofelus

ما هي الخطية

fr.Thofelus